المعارضة السورية وغياب النظرة الاستراتيجية المتوازنة

فرحنا كثيرا عندما سمعنا بانعقاد مؤتمر المعارضة في استنبول أمس وسررنا بسماع الخطابات المؤثرة وبقامات المعارضة التي أدلت بدلوها وصدحت بتلاوين المجتمع السوري كل منها يريد إسقاط النظام ، ولكن منذ البداية شعرت أن كل منهم يحمل معه تراكم الخبرات القاسية التي مر بها مع النظام،  ويتكلم عن عذاباته ومعاناة الشعب السوري من النظام ويصفها من خلال تجربته هو، أو من خلال تجارب الأشخاص المحيطين به.
وهذا كله صحيح من حيث المبدأ ولكن هذا الأمر بالرغم من أن الجميع عانى منه وخبره وشاهده إلا أنه لن يوصلنا إلى تحقيق الهدف السامي الذي يتمناه هو ومن وراءه الشعب السوري بأسره، ألا وهو إسقاط النظام.
 فنحن نريد أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة وكنا نتمنى من الذين حضروا المؤتمر الإجابة عليها حتى يستطيع الجميع أن يكونوا عمليين في مقارباتهم ، ويتقدموا نحو أهدافهم من خلال صياغة رسالة موحدة للشعب السوري في الداخل والخارج، يستطيع كل سوري كفرد أو كمنظومة أن يتبناها ويرسلها عبر العالم، وهذه الرسالة تحمل منظومة القيم التي تقوده نحو مستقبل أفضل،  المهم هنا أننا لا نريد أن نصوغ رسالة عن الشعب السوري نريد أن نبدأ جميعا بصياغة عملية لهذه الرسالة، - ولا نريد متحدثا بالنيابة عن الشعب السوري - نريد أن نشرك كل الشعب السوري في صياغة رسالته، كما أشركناه في التضحية نريد أن نشركه في كل شيء، وأن يكون لدينا إيمان أن هذا الشعب الجبار يستطيع أن ينهض ببساطته بكل تلك المهام، لأن الرسالة تحتاج إلى أصالة والأصالة متجذرة في دماء الشعب السوري . أيضا نريد من الجميع بكل تشكيلاتهم أن يضعوا منظومة القيم التي تقود الثورة السورية نحو المستقبل المنشود، وهذه هي جوهر القضية التي لعب عليها النظام الزائل بإذن الله ، حيث أسقط من قاموس الشعب السوري منظومته القيمية وحولها في غير مسارها لتكون منظومة تخدم مشروع الدولة الأسدية الأبدية الاستبدادية الأمنية التسلطية الأسرية .... إلى ما هنالك من عبارات فاحت منها رائحة الدماء المسالة الآن على أرضنا الطاهرة.
 كنت أتمنى أن يخرج المؤتمر،  ومعه منظومة القيم المتكاملة للشعب السوري، وأن تعكف كل تلك القامات التي شاركت على صياغة منظومة من القيم تتفق عليها كل القوى الثائرة في الداخل والخارج، بحيث تكون هي المبادئ التي تقود الثورة بلا جدال.
هذا ما نريده من المؤتمرات سواء كانت في الداخل أو الخارج وننطلق منها إلى صياغة رؤيتنا الثورية والتي نتطلع إليها ونتمنى تحقيقها في المستقبل القريب إن شاء الله ، وهذه الرؤى تكون نواة رسالتنا، والتي تلف جنبات الطيف السوري من أقصاه إلى أقصاه ينشد بها الثوار كما ينشدون الآن بأهازيج الشهيد إبراهيم قاشوش، تكون جامعة مانعة لا يحيد عنها إلا مغرض، لذلك وجدنا الاختلاف في الرؤى هل نريد إسقاط النظام؟ أم مرحلة انتقالية؟ أم ماذا؟.
 ما زلنا في مرحلة التساؤل والثوار ينزفون منذ أربعة شهور والنظام يلعب على ورقة الوقت ويحاور الغرب ويتباهى بوضوح رؤيته وغياب رؤية المعارضة السورية الغير قادرة على تشكيل رؤيتها.
والأمر الأهم من كل ذلك هو بناء الاستراتيجيات التي تحقق أمال الشعب السوري وتطلعاته،  وهذه الاستراتيجيات يكون منطلقها الرؤى الراسخة التي تكون بعيدة عن الجدال والخلاف ووجهات النظر. وتحديد عوامل النجاح الحاسمة للثورة السورية ؟ والتركيز عليها ووضعها نصب العين كأهداف وغايات مرحلية تتطلب العمل الفوري من خلال برامج تفصيلية تتبناها المعارضة في الداخل والخارج ووضع طرق القياس المناسبة لقياس النجاحات والإخفاقات في العمل الثوري والصعوبات والمخاطر التي تعتري تطبيقها على الأرض.
 ومن ثم يأتي التقييم العملي لكل ذلك من خلال وضع منظومة التقارير المناسبة ، لتوضع أمام المجتمعون ، لإيجاد الحلول المناسبة للإخفاقات، وتصويب الغايات والأهداف ضمن مسار الإستراتيجية العامة ، بحيث تكون متوازنة تراعي جميع جوانب العمل الثوري ، من خلال النظر في خطط التنفيذ الفعلي على الأرض السورية ، وإيجاد البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية المناسبة.
 كل ذلك يكون من خلال التخطيط الاستراتيجي المتوازن للثورة السورية ، بحيث لا ندع الأمور تسير حسب التياسير، تتجاذبها الأهواء والرغبات والمؤثرات، ولا تدع مجالا للغير أن يخطط عنها، ليقودنا إلى ما لا يحمد عقباه في المستقبل، فنخرج من حفرة لنقع في أكبر منها.
إن غاية المجتمع السوري الآن أن ينتقل من مرحلة الظلم والاستبداد والعبودية لآل الأسد ولحزب البعث ( مرحلة التخطيط غير المتوازن ) إلى مجتمع مدني متحضر ( التخطيط المتوازن)، يقود الشرق الأوسط إلى الرقي والازدهار،  فنحن مجتمع أصيل لا نحتاج إلا أن ينفض عنا غبار الزمن لنتلألأ من جديد، وتظهر أصالتنا ويشع نورها في سماء العالم.

بقلم الدكتور: حسان الحموي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق