الجامعة وبشار والثقة المفقودة

الكثير من السياسيين الموالين لنظام الأسد؛ يناشدون الجامعة العربية إعطاء بشار المزيد من الوقت عله يستطيع التغلب على مصاعبه الداخلية ويستطيع التعامل مع الوضع الدولي .

ولكن حجم المآساة التي تعيشها العديد من المدن السورية لا تحتمل الانتظار المطلوب ، وتتطلع إلى إجراءات عاجلة تردع ما تبقى من النظام عن فعل المجازر بحق هذا الشعب الأعزل، فها هي الأيام تتوالى وتطل علينا ثقيلة بما يحمله النظام من عنجهية وغطرسة ، ليُدخل أنواع جديدة من الأسلحة لم تستعمل من قبل، ولأول مرة يلجأ هذا النظام لاستخدام راجمات الصواريخ تجاه هذا الشعب الأعزل ، ليثبت لنفسه أولا وللعالم أنه لا يقل دموية عن الصهاينة بشيء ، وأن كل المراهنين على تماسكه وضبطه لنفسه فشلوا في الرهان الخاسر اليوم.


حقيقة أنا لم أرى العالم يسكت أمام وحشية مثل هذه إلا أمام مجازر إسرائيل ، وهذا ما يبرر تلازم المدرستين من حيث المنهج والأصل والجهات الداعمة ، وما تبرير التصعيد الإعلامي غير المبرر بين إسرائيل وإيران ، والذي ظهر فجأة على العلن ،إلا محاولة يائسة لتحويل أنظار العالم عن المجازر المرتكبة من قبل هذا النظام، فكلما خبت جذوة نار من هنا أو هناك ، تحاول الصهيونية تحريك وسائلها الإعلامية باتجاه آخر ليشغل الرأي العام عن قضيتنا الأساسية ، وللمتبصرين أقول إن الانجاز العظيم الذي حققته حماس في صفقة التبادل مع إسرائيل ما كان ليتحقق لولا الإرادة الإسرائيلية في صنع حدث هام في المنطقة يشغل العالم عما يحصل في سوريا؛ كي تَهبَ العصابة الأسدية الوقت الكافي للقضاء على ثورة الشعب السوري ، وبعد ذلك يأتي الاعتداء على غزة دون وجود مبرر حقيقي لهذا الهجوم على شعبنا هناك؛ ليصب في ذات السياق ، والآن تأتي الفقاعة الإعلامية والتي أطلقها بيريز زعيم السلام الإسرائيلي ليحاول فيها شد الاهتمام العالمي عن القضية السورية ، ألم تلاحظوا بعد: هذا التلازم بين الآلة الإعلامية الإسرائيلية غير المباشر في دعم العصابة الأسدية وبين التصعيد الحاصل على الأرض السورية . ألم يتبين لكم بعد أن هذا الطاغية هو صناعة إسرائيلية بحته ، ألم تلاحظوا معي أنه كلما هم العالم لاتخاذ أي خطوة عملية تجاه القضية السورية ؛ يظهر علينا من يفشلها دون مبرر سياسي معقول.

طبعا أقول هذا لمن في عقلة ذرة من قومية عربية أو نخوة إسلامية ، أو بقايا من انسانية، كي يتفحص المدركات الحسية التي من حوله ليستبين أمر هذا الطاغية ، بالأمس ظهر علينا مجددا من خلال ما تبقى له من مؤيدين في أقصى الشرق السوري ليحدثنا عن الإرهاب والفتنة والتدخل الخارجي ، وهو بهذا يحاول اللعب على وتر الوطنية المتأصلة لدى المعارضة السورية ، ليجبرها على الرضوخ لخياراته في استبعاد أي تدخل خارجي ، كي يبقى مستفردا بهذا الشعب الأعزل . مراهنا على بقاء صف المعارضة منقسما ما بين مطالبا بالتدخل لحماية المدنيين وما بين المطالبين بعدم التدخل الخارجي؛ خصوصا لأولئك الذين يقعون تحت الضغط الداخلي من معارضة الداخل ، فإن هم أيدوا أي تدخل خارجي وقعوا في الخيانة العظمى ، وأعطوا المبرر للنظام للانقضاض عليهم بتهمة العمالة للخارج ، وان هم بقوا على ما هم عليه من رفض للتدخل الخارجي، أظهر اللانظام من خلالهم للعالم الخارجي أن هناك اختلاف بين معارضة الداخل الوطنية؛ وبين معارضة الخارج العميلة للغرب . وبالتالي يتحقق ما كان يتطلع إليه من إبقاء العالم في تخبط بين مسارين ، الأول أن المعارضة السورية لم تلتأم بعد وأن خياراتها لم تتوحد بحيث يستجيب لها العالم ، والثاني البقاء على الوضع الحالي ريثما يستطيع هذا النظام الإجهاز على ما تبقى من معارضين في الداخل ، وهذا ما يبرر متوالية المهل الممنوحة تارة من هنا وتارة من هناك.

وللأسف فإن الجامعة العربية أصبحت تدرك كل مفاصل الأزمة السورية وحجم المأساة التي وقعت على الشعب السوري، ولكنها لم تكن ترغب باتخاذ إجراء رادع كما فعلته بالأمس القريب مع القذافي ، ربما لأن القرار الدولي لم ينضج بعد ، أو أنها وقعت تحت ضغط بعض الأنظمة التي تتحسس رأسها بعد ما شاهدته من ثورات الربيع العربي ، تحاول من خلال موقفها المتخاذل الإبقاء على هذه الأنظمة ، معتقدة أنها في محاولتها هذه تطفئ شعلة الثورة في بلدانها، وبالتالي بقائها في السلطة لفترة أخرى .

ومن الملاحظ أنه بعد أن استنفذت الجامعة العربية كافة الحيل الدبلوماسية في الإبقاء على النظام السوري ، أضحت أمام خيارات متعددة، فهي إما أن تقف معلنة فشلها للمبادرة ، وتنصلها من أي مسؤولية عن الدماء المسالة ، وبالتالي تدخل البلاد في غياهب الحل الأمني وربما الحرب الأهلية ، وإما أن تتخذ خطوة أخرى متقدمة تحيل من خلالها الملف السوري برمته إلى مجلس الأمن وتضع العالم أما مسؤولياته من جديد ، أو أنها تحاول بلورة رؤية جديدة تكون شماعة للنظام لاكتساب المزيد من الوقت .

إن موقف الجامعة المتأخر برأيي له فعل المكابح لأي رؤية إقليمية يمكن أن تتبلور من هنا أو هناك ، وهي بهذا تؤخر التدخلات الخارجية ولكن لا تزيله، فالحتمية السياسية الموجود في الواقع السوري تقول أن هذا النظام لن يرضخ للضغط الخارجي السلمي ، وأنه لن يسقط ما دام هناك رجل يطلق النار باتجاه الشعب السوري ، فهو يراهن على آخر طلقة تقتل مواطنا ثائرا ، علها تخفي خلفها شرعية جديدة لنظام ساقط بائس.

والجامعة باعتقادي من خلال اتهامها لبشار بعدم تطبيق المبادرة وإعطائه المهل ، تتطلع إلى استجلاء مواقف جميع الأعضاء، خصوصا من الذين لا يرغبون في إزالة بشار من السلطة ، و هي لا تستبعد خيارها في تدويل الأزمة وإنما هي بهذا الطرح تراكم الخسائر البشرية والمادية على كاهل المجتمع السوري ، خاصة وأن وتيرة العمل العسكري للأسد وعصابته تتصاعد بوتيرة غير مقبولة وتأخذ صفة المذابح الجماعية .

لكن الوقت لم يعد يسعفها في هذه اللحظة الراهنة ، وأصبح لزاما عليها التجاوب مع مطالب المعارضة السورية نحو الإسراع بمناشدة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التابعة لها، ومنظمة التعاون الإسلامي، وكافة الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان من أجل:

1. إدانة هجوم النظام السوري على المدن السورية بأقوى العبارات ومطالبته بوقفه فوراً.

2. إعلان حمص مدينة منكوبة إنسانياً وإغاثياً وتطبيق التشريعات الدولية الخاصة بتقديم العون الطبي والإغاثي، وتحريك المنظمات على المستوى الدولي لوقف المجزرة التي ينفذها النظام.

3. توفير الحماية الدولية المطلوبة للمدنيين، وتأمين انتقالهم بعيداً عن المناطق التي تتعرض للقصف والتدمير، ومساعدتهم في إيجاد ملاذ آمن.

4. إرسال مراقبين عرب ودوليين بصفة فورية إلى مدينة حمص للإشراف على مراقبة الوضع الميداني ومنع النظام من الاستمرار في ارتكاب مجازره الوحشية.

5. توثيق الجرائم التي يرتكبها النظام ورفعها إلى محكمة الجنايات الدولية تمهيداً لمحاكمة المسؤولين عنها.

ففي ظل الثقة المفقود بين الجامعة العربية وبين بشار وأزلامه يضيع الشعب السوري ، ولم يتبقى للجامعة إلا استخدام الوسائل الممكنة التي ربما تستطيع من خلالها إيقاف هذا الطاغية عن استخدامه المفرط لآلته العسكرية وتنفيذ إرادة الشعب في الحرية والكرامة.

الدكتور حسان الحموي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق