قانون الشرذمة السلطوي في النظام الأسدي


لم أكن مسئولا سوريا في أي مرحلة من حياتي المهنية ولكني كنت قريبا من صناع القرار ، أطلع على التغيرات والتقلبات في الكراسي بين هنا وهناك ، وشهادة  لله مني أن هذه السياسة ورثها الأسد الابن من والده ، ففي نفس اللحظة التي تظن فيها أن هذا المسئول أو ذاك أصبح حوتا أو إخطبوطا ، بيده مفاتيح البلد ، تجده أصبح خارج اللعبة ، دون أي سبب مقنع لي ، وبالطبع أنتم تعلمون أن المسئول في بلادي لا يمكن أن يصبح مسئول حتى يشعل أصابعه العشر، ويجتهد ويجد في طلب المال ، ليس مهماً مصدرها ( سرقة – اختلاس – رشوة – نصب – تحايل – تلاعب) فالتسمية غير مهمة ، المهم أن يكون لديك بئر مال يغرف منه ، لتشتري به المنصب الذي يدر له المال ، فمتلازمة المال والمنصب لا ينفصلان أبدا ، متى ما ذهب الأول زال الآخر ، ولكن الفرق بين مسئول زكي ومسئول غبي ، أن المسئول الزكي عندما يكون في المنصب يدخر بعض ماله لما بعد الوظيفة ، إلا إذا ما ابتلاه الله بالقمار والنساء ، يكون هو و ماله ومنصبه ، ضحيتهما في النهاية ، أما المسئول الغبي فيسخر ماله وجهده كله للبقاء في المنصب وهذا خبرته حقيقة  بنفسي، وفي النهاية يخسر كل شي ، وغالبا يكون مصيره السجن ، إلا إذا كان من الطائفة ، يخرج من المنصب فقط ولا يحاسب ، ولكن الأسد الأب كان يدخر قراره في محاسبة خصومه بالرغم من علمه ، بحقيقة وضعهم ، وأذكر حادثة رواها لي أحد الأربعة الذين كانوا يركبون سيارة واحدة ، الأول كان رئيس المخابرات العامة ، والثاني الأمين العام المساعد للقيادة والثالث كان عضو قيادة ومدير أهم مؤسسة في البلد آنذاك ، والرابع لن أذكر اسمه لأنه هو الذي روى لي القصة التي حدثت معهم ، حيث جرى بينهم حديث خاص في السيارة التي كانوا يقلونها في طريقهم لمقابلة الأسد الأب ، فقال أحدهم نحن الذين ثبتنا حكم الأسد والآن يسلبنا كل شيء ، وكانوا كلهم من منطقة واحدة ، فقال له الآخر أي والله ، و بعد انتهاء المقابلة ، استدعى الأسد الأب أحدهم وسأله عن المقولة ، وسكت الأسد الأب عن ذلك المسؤول قرابة عشر سنوات ، ثم لفق له تهمة وأدخله السجن ، قضى فيها ما بقي من حياته، وبعد وفاة باسل انقسم المسئولون في البلد إلى جماعة بشار وجماعة الرئيس ، أو ما سمي بعد وفاة الأسد الأب ، العهد القديم والعهد الجديد. وتم تصفية الكثير منهم ، أذكر منهم قائد القوات الخاصة على حيدر ، وكلكم يعلم وقفته مع الأسد الأب في 1984 م ، مقابل رفعت ، ولكن أية زلة لسان يخسر فيها أي مسؤول منصبه مهما كان تاريخه مشرقا، حيث كان يتداول حديثا مع على دوبا ، رئيس فرع الأمن العسكري في ذاك التاريخ ، وأخبره الثاني أن الرئيس استدعى بشار ليجعله بدل باسل ، فقال له (هذا ولد شو بيفهمه)، وصلت الكلمة إلى الأسد الأب ، فاستدعاه إلى مكتبه ، فلم يلبي الطلب لأنه عرف أن الأسد الأب علم بالمقولة ، فطلب الأسد الأب من علي دوبا - وكان وفيا جدا لعلي حيدر لأن الأخير هو الذي كان سببا في ترقيته  لمنصبه هذا- أن يدعوه لسهره في مكتبه وجهز له كمينا حالما وصل وجد عناصر علي دوبا في انتظاره وأخذوه ووضعوه في الإقامة الجبرية ، وتم تعيين علي حبيب بدلا منه ، الذي تم إقالته مؤخرا من منصبه كوزير للدفاع. ورغم أن غالبية المسؤولين يدركون هذه الحقيقة إلا أنهم لا يستطيعون التفلت من قانون الشرزمة السلطوي في النظام الأسدي .
 وهذا الذي يحير الغرب ، فبالرغم من البطش الشديد والذي طال أكثر من ثلاثون مدينة في سورية حتى الآن ، لم يشهد النظام انشقاقات مهمة في تكوينته سواء الحكومية ، أو الحزبية أو الأمنية ، أو العسكرية . لأن قانون الشرزمة ينطبق على جميع السوريين مهما كان موقعهم الوظيفي أو الأمني أو العسكري ، فكل منشق يحكم عليه بالإعدام ، كائنا من كان .

الدكتور حسان الحموي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق