يبدو أن الاشتباك الدولي والإقليمي حول الأزمة في سورية بات واضحاً أكثر من أي وقت مضى، فثمة تحولات أساسية طرأت راهناً لابد من الوقوف عندها، أولها الموقف الخليجي الذي عبر عنه مندوب السعودية في مجلس الأمن، وهو يشكل مبادرة غير مسبوقة تجاه إعادة التوازن لما يسمى فائض البطش داخل الأزمة السورية فالدبلوماسية السعودية والتي عُرف عنها التأني والحيطة لم تعد تحتمل مشاهد فائض البطش الصادر عن العصابة السورية الحاكمة .
والتحول الآخر يتمثل في توجه المجلس الوطني لطلب المساعدة في تنفيذ ما سمي بتبني إستراتيجية ثنائية الأهداف: تسليح الجيش السوري الحر و دعم المجالس المحلية المكلفة بتسيير أمور البلاد بعد سقوط عصابة الأسد الحاكمة ، وهذا طبعا بعد التغلب على ما يسمى تيار حمامة السلام داخل المجلس والذي يقوده رئيس المجلس نفسه.
فبالرغم من حالة الارتباك والعجز الحقيقي لدى المجتمع الدولي في التأثير بمجريات الأحالسورية،عصفت بسوريا جراء المجازر التي لجأ إليها الأسد في الأشهر الأخيرة . من جهة، و استخدام روسيا والصين الفيتو الممانع والمعطل لأي إجراء فعلي يحسم المسألة السورية ، و جراء الفيتو الصهيوني والذي انضم إلى حلف الممانعة مؤخرا من جهة أخرى .
إلا أنه ظهرت بوادر على وجود إرادات غير مفعلة لدى العديد من الدول التي لم ترضى السكوت على مجازر الأسد وأزلامه؛ تحاول تلمس طريقها الوعر في منظومة المتناقضات السياسية التي تحكم عالم المصالح المتراكبة ، والتي لا يمكن تفسيرها منطقيا .
وربما بعضها حسم أمره نحو البدء باستخدام خيارات حاسمة من خارج المنظومة الدولية ، وبدأ فعليا باتخاذ خطوات إجرائية على الأرض ، من خلال تبني خيار تسليح الجيش السوري الحر؛ وتنظيمه ودعمه ماديا ولوجستيا، وهذا بدا واضحا من خلال تصريحات عديدة لأعضاء المجلس الوطني مؤخرا ، وإن لم تتضح معالم هذا الإجراء للعلن بعد .
و تفعيل هذا الدور الإقليمي يتوقف على مسألتين :
- مدى التأثير على الموقف الروسي والصيني تجاه الأسد و أزلامه فبقدر ما تستطيع دول الخليج التأثير على الموقف الروسي ومن خلفه الصيني في تبني موقف مرن من الأزمة السورية ، بقدر ما يستطيع الجميع استصدار حل سريع من خلال مجلس الأمن ، أو مجموعة أصدقاء سورية ، وهذا الأمر ربما يصبح أيسر بعد انتهاء الانتخابات الروسية، أو ربما تظهر تجلياته بعد اجتماع وزير الخارجية الروسي مع وزراء خارجية مجلس التعاون والتي دعا إليها الرئيس الروسي مؤخرا في (7) مارس القادم مبدئيا .
- تيقن المجتمع الدولي أن إعطاء الفرصة تلو الفرصة للأسد للتغلب على الثورة السورية هو في غير صالح المجتمع الدولي ، لأن هذه الفرص تستطيع منح الأسد وقت لمزيد من البطش لا لفرض حلول سياسية ، وبالتالي يستطيع الأسد أن يزيد جرعة البطش؛ لكنه لا يستطيع استعادة الهيبة الضائعة لنظام حكمه ، و ما لم تكن هناك تسوية سياسية ترضي جميع الأطراف الداخلية والخارجية لن يستطيع أي طرف حسم المسألة السورية لصالحه مهما طال الوقت ، ومهما زادت جرعة البطش المستخدمة.
إن العجز السياسي في إيجاد حل مرضي للمشهد السوري يمكن إرجاعه إلى سبب جوهري يتعلق بعجز الإرادة الغربية وحتى الروسية والصينية والإيرانية، عن إقناع الأسد بإجراء إصلاحات فعلية تتضمن تخليه عن الحكم، وسحب القبضة الأمنية المفروضة على الحياة السياسية السورية .
لأن الأسد مستعد للسماع لأصدقائه ضمن مسافة لا تتعدى إجراء الإصلاحات مع بقائه على سدة الحكم ، و الحفاظ على ذراعه الأمنية التي هي الأداة الفاعلة في فرض بقاءه بالقوة على كرسي الرئاسة.
إضافة إلى عجز الغرب عن إقناع ربيبتهم إسرائيل بجدوى تخلي الأسد عن السلطة، لأن استحقاقات ما بعد الأسد قد ترتب على إسرائيل تنازلات مؤلمة بالمفهوم الصهيوني عن الأراضي التي وهبها الأسد الأب بلعبة تبادل الأدوار وتكاملها بين أطراف النزاع العربي الإسرائيلي.
إن الدور الرئيس في تنفيذ الإستراتيجية الجديدة حول الأزمة السورية سوف يوكل لثنائية السعودية تركيا، وبالتعاون مع بقية أعضاء مجلس التعاون بعد إعطائهم الدفعة السياسية المطلوبة ، لمباشرة الدور المؤجل منذ بداية الثورة ، وربما تكون الانطلاقة الفعلية لهذه التحركات بعد مؤتمر أصدقاء سورية المزمع عقده في اسطنبول.
وهذا الدور الإقليمي – العربي لن يكون فاعلا ما لم تنبثق عنه آلية إجرائية تستند إلى دعم من مؤتمر أصدقاء سورية، و هنا وعند هذه النقطة فإن الدور القطري - السعودي هو الذي من المفروض أن يهب الأمل في إحياء المبادرة العربية التي رفضتها سورية، و إعادة تدوير الملف السوري ووضعه مرة أخرى أمام مجلس الأمن، ولكن من منصة إقليمية عربية دولية بهدف الضغط على أعضاء المجلس الذين استخدموا الفيتو، والاستفادة من المبادرة الصينية ومحاولة رفع سوية بنودها لترقى إلى طموح الشعب السوري، أيضا توحيد موقف دول مجلس التعاون تجاه الصين؛ و اللعب بورقة المصالح الاقتصادية الكبيرة بينهما، لإشعار الصين بجدية الإرادة العربية في إحداث تغيير في موقفها.
هنا فقط نقول أن ثمة إرادة لدى دول مجلس التعاون في إيجاد حل للمسألة السورية، و مخرج فعال للأزمة؛ يستند إلى شرعية دولية ؛ مستمدة من قرارات الأمم المتحدة من جهة ومن تأييد مؤتمر أصدقاء سورية من جهة أخرى ، بغية طلب التدخل الخارجي لردع الطغمة الحاكمة وإيقاف آلتها القمعية ، والمباشرة في حوار وطني يشمل جميع مكونات الشعب السوري.
إن على الجميع في النهاية أن يعلم أن ما عجزت عن تحقيقه القوى الكبرى، سوف يتحقق على أيدي الثوار في الداخل مهما بلغ فائض البطش لدى الطغمة الحاكمة، و الأسد لن يسقطه إلا السوريين و حل الأزمة لن يكون إلا سورياً في شكله ومضمونه .
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق