بعد أن تعرت الحقائق أمام الجميع، بات على السوريين جميعا الوقوف أمام حقائق ناصعة لم يعد يختلف فيها أحد:
الحقيقة الأولى: جاءت على لسان الخارجية الروسية: "إن موقف موسكو إزاء سورية لن يتغير بعد الانتخابات الرئاسية في روسيا".
" وتدعو شركائها الأمريكيين والأوروبيين إلى عدم تصّور ما يرغبون به على انه واقع.. وتقول إن الموقف الروسي من التسوية السورية لم يكن يتعرض أبدا لأية اعتبارات آنية".
وتؤكد أن:"المقصود بالأمر قبل كل شيء هو المراعاة الصارمة لمبدأ الحيلولة دون تدخل خارجي وباستخدام القوة ضمنا".
و إن محاولات بعض اللاعبين الخارجيين لفرض نماذج تسوية متعلقة بدعم احد أطراف النزاع فقط غير مقبولة".
وأن موقف موسكو سيكون أكثر صرامة بشأن التدخل في سورية بعد انتخابات الرئاسة، وهذا بحسب تصريح "فلاديمير يفسييف" مدير مركز الدراسات السياسية والاجتماعية في روسيا.
و الحقيقة الثانية ظهرت: بعد تعهد أوباما بالحفاظ على أمن إسرائيل أمام مؤتمر الإيباك، عندما انقلبت تصريحاته وأصبحت كلها تصب في مصلحتها ، لذا خرج علينا مؤخرا ليقول أن: "أي تدخل عسكري أمريكي في سوريا سيكون خطأ!".
لأن مصلحة العصابة الأسدية أصبحت مصانة من الآن فصاعدا، فكل من يحرس حدود إسرائيل يدخل ضمن هذالمتظاهرين.وبالتالي الحفاظ على الطاغية هو من أمن إسرائيل. ويخرج علينا في اليوم التالي بمشروع قرار ضعيف؛ يطالب فيه الحكومة السورية بإنهاء حملتها على المتظاهرين .
و "السماح بلا قيد بوصول المساعدات الإنسانية" و "يدين استمرار وتفشي الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية من جانب السلطات السورية ويطالب الحكومة السورية بإنهاء هذه الانتهاكات على الفور."
ويطالب "بإنهاء كل أعمال العنف والإفراج عن كل السجناء الذين اعتقلوا بشكل تعسفي نتيجة للأحداث الأخيرة وسحب كل قوات الجيش والقوات المسلحة السورية من المدن والبلدات وإعادتها إلى ثكناتها الأصلية."
وطبعا هو غير متسرع في إجراء تصويت على مشروع القرار ؛ هذا إذا تقرر أصلا التصويت عليه. حيث قالت سفيرته سوزان رايس في تصريح لرويترز "بدأنا للتو اليوم مناقشات أولية... بشأن ما إذا كانت هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق."
ولم يتضح بعد هل لهذا المشروع الأمريكي فرصة للنجاح في مجلس الأمن الذي وصل إلى طريق مسدود بسبب الخلاف بشأن العمليات العسكرية للقوات السورية ضد الثوار.
الحقيقة الثالثة : وهي الحقيقة الصارخة على الأرض والتي لم تعد تحتمل التأجيل ، وهذه الحقيقة تصرخ.. وتدعو.. بها غالبية الدول سواء كانت عربية أو غربية فهي من جهة تدين وتشجب القمع الذي يشنه النظام السوري ضد معارضيه ، ومن جهة أخرى تطالب بإيجاد ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية وتأمين ودعم الجيش الحر:
وهذا ما دعا إليه وزير العاهل السعودي و رجب طيب اردوغان أمس بضرورة فتح «فوري» لممرات إنسانية للمدنيين من ضحايا العنف في سورية.
وقال إن «الممرات لنقل المساعدة الإنسانية يجب أن تفتح فورا»، داعيا الأسرة الدولية إلى ممارسة ضغوط على دمشق في هذا الشأن.
ولم يوضح ما إذا كانت هذه الممرات يفترض أن تبدأ في تركيا التي تتقاسم مع سورية حدودا طويلة. وأدان اردوغان صمت و«تردد» بعض الدول التي لم يسمها حيال «الفظائع» التي ترتكب في سورية، ورأى أن هذا الموقف «يشجع» النظام السوري على التحرك بوحشية اكبر ضد المعارضة. وقال «نحن، تركيا، سنواصل العمل لإبقاء الفظائع في سورية على جدول أعمال العالم بأسره»، مذكرا بان أنقرة تنوي تنظيم دورة ثانية لمؤتمر «أصدقاء دمشق» في اسطنبول منتصف مارس. وحذر أردوغان، بشار الأسد من مواصلة استخدام العنف بقوله إن «الأسد سيدفع ثمن هذا العنف فيما بعد، و أن إراقة الدماء في المدن لن تمر بدون حساب، و أن والده لم يحاسب على أفعاله في هذا العالم، ولكن نجله سيحاسب على هذه المذبحة». وقال: إن الشعب السوري «ليس وحده ولن نتخلى عنه في محنته»..
للأسف فإن هذه الحقيقة لم تلقى صداها على الأرض حتى الآن، لأن هناك من يحاول فرملة أي إجراء فعلي ، ويطالب جميع المؤيدين بالاكتفاء بالقنابل الصوتية.
وطبعا الحقيقة الضائعة بين كل ذلك هي أن الشعب يريد إسقاط النظام ، ووقف القتل ، ويريد أن يعيش بكرامة ، ويريد استعادة حريته، ويريد بناء دولته الديمقراطية، ويريد أن ينتخب ممثليه، ويريد أن يتمتع بأبسط حقوقه في هذه الحياة.
والسبب في غياب هذه الحقيقة هو ضعف المعارضة والجيش الحر ، و لو أن الجيش الحر تلقى دعماً حقيقياً من المعارضة وقويت شوكته .. لرأيتهم يتهافتون بأقصى سرعة للاعتراف بهذه الحقيقة، والتعامل بجدية مع الواقع الذي سوف يهدد أمن دولتهم العتيدة .
فهل لهذه الحقيقة مكان في عالم الحقائق الخلبية التي تسود عالم ملئ بالكذب؟.
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق