منذ بداية الثورة سعت الجهات الخارجية إلى إيجاد شخصيات معارضة تستطيع قيادة المرحلة على غرار النموذج الليبي ، وكانت المبادرة الأولى من المفكر العربي عزمي بشارة عندما جمع أطياف متعددة من السوريين المعارضين في الداخل والخارج لتبادل الأفكار حول المرحلة المقبلة من تاريخ سورية، وتم خلالها انتقاء مجموعة شخصيات تتقاطع مع بعضها البعض في الرؤى والمصالح ولكن بدون تمثيل حقيقي على الأرض ، وبنفس الوقت تشكلت تكتلات متعددة متجانسة من معارضة الداخل والخارج ولكن بالمجمل كانت تلك المعارضات مختلفة في الرؤى والوسائل ، واستطاعت عصابات الأسد اختراق بعضها و زرعها كالشوكة في حلق المعارضة ، لذلك كانت هناك صعوبة كبيرة في جمع تلك المعارضات على إستراتيجية محددة تستجيب لمطالب الثورة والحراك الثوري الداخلي .
وبالرغم من استجابة الثوار لمطالب الدول المتعاطفة مع الثورة و تبني تمثيل المجلس الوطني المفروض بشخصياته الليبرالية والإسلامية ، والذي تم انتقائه وفق اعتبارات لا تخدم الثورة ، وهذا ليس بالافتراض وإنما بموجب التجربة الطويلة خلال السنة الفائتة من عمر الثورة.
إلا أن العنصر الأساسي الذي أفشل كل تلك الجهود كانت في متلازمة الولاءات لتلك المعارضة ، وبالتالي لم تستطع المعارضة التحرر من ولاءها الحالي لصالح الثورة وبقيت وفية للدول والمنظمات المنتسبة، لها دون الآخذ بعين الاعتبار مصالح الثورة أولا، و ضاعت إستراتيجية الثورة ضمن متاهة الولاءات وغياب الوسائل والإجراءات التي تستطيع تحقيق الأهداف والغايات ، والتي من المفترض أن تكون محل اتفاق بين جميع القوى المعارضة، فبالرغم من كون الجميع متفق على إسقاط النظام ، إلا أنهم اختلفوا على موضوع الإسقاط الفوري للنظام وطريقة إسقاطه ، واختلفوا على موضوع التدخل الأجنبي، ومن ثم اختلفوا على دعم الجيش السوري الحر ، وطبعا لعبت العناصر المخترقة دورا مشبوها في إفشال أي اتفاق .
أيضا غياب الإرادة الدولية في تغيير النظام ، انعكس على العناصر الموالية لها ، وباتت تلك المعارضة الشماعة التي يستطيع الجميع تعليق نواياهم عليها في إفشال أي اتفاق سواء كان دولي دولي ، أو سوري سوري ، وبالتالي أصبح لزاما على كل طيف من أطياف المعارضة أن يسلك الطريق الذي يعتقد أنه يرضي قناعاته ، ويتناسب مع ولاءاته، وبالنتيجة فقد كان تشرذم كيانات المعارضة السبب الرئيس في تأخر تحقيق أبسط أهداف الثورة حتى الآن، سواء على المستوى السياسي أم على المستوى العسكري.
و مع ارتفاع الفاتورة البشرية والمادية للثورة أصبح لزاما استنفار الجهود من أجل توحيد أطياف المعارضة ، لتعزيز موقفها أمام المجتمع الدولي من أجل الحصول على الحد الأدنى من الدعم.
و وفق الأولويات فإن توحيد المجلس العسكري للتوافق على وثيقة تؤكد وحدة الأهداف في الخلاص من هذا النظام.
من خلال رسم الاستراتيجيات العامة والسياسة الإعلامية للجيش السوري الحر والمسائل المتعلقة بتمويله وتسليحه ومساعدة قيادته على تنفيذ الخطط، في حين يتولى العقيد رياض الأسعد القيادة «العملانية» للكتائب والمجالس العسكرية للجيش الحر في المدن ؛ تعتبر نقطة انطلاق في مسيرة توحيد جهود هذه المعارضة.
وهي ضرورية في هذه المرحلة لاستبعاد أية كيانات عسكرية ذات ولاء مزدوج ، والإبقاء على الكيانات ذات الولاء الوطني ، كما أفاد الأسعد «إنها خطوة لتأكيد وحدة الصف ووحدة القوى المسلحة (المعارضة) على الأراضي السورية، وكل تنظيم خارج هذا الإطار لسنا مسؤولين عنه».
لكن هذه الخطوة إن لم تتبعها جهود لتوحيد المواقف السياسية فلن تكتمل أهداف الثورة في تحقيق انطلاقة ذات مغزى نحو تحقيق إستراتيجية الثورة ، وهذا ربما ما أعلن عنه المجلس الوطني السوري في بيانه أن مؤتمرا يشمل كافة أطياف المعارضة وشخصيات وطنية سيعقد في اسطنبول اعتبار من غد الاثنين للتوافق على وثيقة العهد الوطني لسورية الجديدة، للتأكيد على وحدة أهداف المعارضة السورية في الخلاص من نظام الاستبداد.
و طبعا هذه الخطوة لن تكون ذات جدوى إن لم تتضمن تطهير المجلس والكيانات الأخرى المعارضة؛ من الشخصيات ذات الولاءات المتعددة ، وتسليم دفة القيادة إلى شخصيات وطنية غير مشكوك في ولاءها .
وحتى نصل إلى تلك الخطوة فإن المعارضة سوف تستمر في التخبط و لن تستطيع التوحد حول الوسائل المناسبة للمرحلة الحالية والمراحل المقبلة .
فإلى متى يستطيع الشعب الثائر تحمل تكلفة هذا التشرذم ؟ .
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق