لكل متابع للمناقشات في مجلس الأمن حول الأزمة السورية يلاحظ التراخي في استصدار اي قرار يضمن حل للمعضلة السورية ؛ نظرا لعدم التوافق في تقييم سلعة – قرار مجلس الأمن – المتعلقة بالشأن السوري بين طرفي النخاسة السياسية في سوق القرارات.
- فالطرف الأول هو الطرف الذي يشري قرار من مجلس الأمن وهو يضع سعرا زهيدا لهذا القرار، وبالتالي لا يجد في سوق النخاسة السياسة بائع بالسعر السياسي الدولي الذي تحدده لعبة المصالح.
- أيضا الطرف الآخر هو الطرف البائع لقرار من مجلس الأمن ، وهو يضع سعرا عاليا جدا لهذا القرار ، وبالتالي لا يجد في سوق النخاسة السياسي مشتري بالسعر الدولي الذي تحدده نفس لعبة المصالح.
هذا البازار لاحظناه في الجلسة المفتوحة في مجلس الأمن، وخاصة في تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية وبشكل فاضح عندما قالت بأن سورية بلد منهار اقتصاديا ، وأن الحافز الوحيد الذي أتى بها إلى مجلس الأمن هو الموقف الأخلاقي من مسألة الدماء المسالة على الأرض السورية، وطبعا هي استبعدت كل متغيرات الحل التي لا تقبلها الدول المقابلة ، والتي تشكل السلعة الأساسية في سوق النخاسة السياسي ، الأمر الذي أبخس من قيمة الموقف الروسي والصيني إلى أدني سعر في هذا البازار.
فروسيا تحاول بيع سلعة غلفتها ( برفض التدخل العسكري – ازالة النظام بالقوة – الحرب الأهلية – الجماعات الارهابية – استلام السلطة من قبل الاسلاميين – الحرب الطائفية – حقوق الأقليات). وهذه المتغيرات التي كان الغرب يتعامل معها؛ ويدفع بها ثمنا باهظا في العقد السابق ، لم تعد تهمه الآن ، خاصة بعد قبوله بصعود الأحزاب الاسلامية في دول الربيع العربي ، و اكتشافه بأن جدلية السلطة الاسلامية و تهديد الجماعات الارهابية كان مجرد وهم ، ايضا لإدراكه في الحقيقة أن لديه هو سلعة يستطيع أن يبيعها إلى تلك الدول ، والمتمثلة ( بخوف تلك الدول من تصدير الثورات العربية الى دولهم ، أو دول ما يسمى الطوق الروسي، ايضا المد الاسلامي لتلك الدول، وأخيرا الخوف من المارد التركي المتمدد في منطقة المصالح الاقتصادية المتبادلة) .
هذا الأمر قد يجعل من سوق النخاسة السياس يعتمد في تقييم سلعة - قرار مجلس الأمن- على متغيرات أخرى غير متغيرات لعبة المصالح ، وبالتالي يصبح معيار القياس يعتمد على ليترات الدم المسال أكثر من اي متغير آخر.
و باعتبار أن الدم السوري ليس بالسلعة التي يمكن أن يُدفع مقابلها اي ثمن مجزي في سوق النخاسة السياسي ، لذلك فقد يحتاج مجلس الأمن لكميات هائلة من الدم السوري المسال حتى يستطيع استصدار هذا القرار.
الأمر الآخر الذي يمكن أن يجعل الطرف الروسي والصيني يقبل بأي ثمن مقابل تنازله عن حقوقه في بازار القرارات الدولية ، هو الوضع على الأرض السورية ، فبقدر ما تستطيع المعارضة حسم الموقف لصالحها ، بقدر ما يتهاوى سعر القرار في مجلس الأمن.
لذلك على المعنيين من جميع الأطراف والمهتمين ببازار (( الشأن السوري أو الأزمة السورية، أو مصلحة سورية ، أو الدماء السورية المسالة ، من دعاة الأخلاق السياسية ، أو من دعاة القانون الدولي ، أو من أصحاب المصالح الاقتصادية والسياسية))، إعادة قراءة الواقع السوري ، لأنه في كل لحظة سوف يختلف تقييم هذا السعر في سوق النخاسة السياسي الدولي.
حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق