مشايخ النظام ... الخطر الهدام

مع بداية الثورة ، وصمود العامة في الساحات وتلقي الويلات على يد النظام دون تراجع ، أدركت مقولة لشيخي كان يخص بها طلاب العلم ، أن إيمان العامة راسخ لا يتزعزع ، مهما حاول شيوخ النظام حرفهم عن جادة الصواب ، فليست العبرة في الحجة والدليل واستخدامهما ، وإنما العبرة في الفطرة السليمة ، لذلك كنت دائما أسمع الدعاء (( اللهم أعطني إيمانا كإيمان العجائز)) ، وإيمان العامة كإيمان العجائز .
 أيضا أدركت تخاذل الكثيرين من طلاب العلم والشيوخ والعلماء عن دعم الثورة ، لا بل واستمرار بعضهم في المواربة والتورية والدعاء للأسد في نهاية خطبه ، وقولهم كلمة (يا بني ما دخلنا ، خلينا في عبادتنا ، نحنا مانّا قدهم )، ونسوا الأخذ بالأسباب ، والتوكل على رب الأرباب، ونسوا حادثة سيدنا إبراهيم مع قومه، عندما أشعلوا النار ورموه فيها ، لم يتردد ، وقال رب العالمين يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ، أنا متأكد أن كل طلاب العلم ومشايخ النظام قرءوها ، ولكن لم يؤمنوا بها ، و بالتالي لم يعملوا بها ، ورضوا أن يكونوا مع الخوالف ، فكانوا سببا في تأخر وصول الثورة إلى أهدافها المرجوة ، أيضا كانوا سببا في تمادي النظام مع قرنائهم ، من المؤمنين ، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، أيضا كانوا سببا في إحباط الهمم بفتاويهم الخارجة عن المألوف ، والتي كان لها كبير الأثر في تأخر دخول مريديهم إلى الثورة ،  من خلال إصرارهم واستماتتهم على مناصرة ظلم الحكام وتأييدهم فوق رقاب الناس، بل هم يذهبون إلى تجريم الناس المقهورين إذا ما تحركوا سلميا للتعبير عن ما أصابهم من ألم وقهر وظلم وغبن وعلى مدى عقود. فهم من جهة يشرعون الفساد والاستبداد ، ومن جهة أخرى يعطون الحكام جرعة للاستمرار على ما هم عليه من ظلم وقهر للشعوب.
أيضا هم يثبطون الناس عن الصدع بكلمة الحق من خلال تحريمهم سلوك الوسائل السلمية للتعبير عن رأيهم والذي كفلته جميع القوانين والمواثيق الدولية، فالحكام الذين يطالبون بالسمع والطاعة لهم، لم يأتوا باختيار الأمة، ولا هم ممن يحكم بالشريعة، حالا أو مقالا، و لا يتورعون عن سفك دماء الأبرياء من أبناء شعبهم.
إن ما نأسف له أننا في الدول الإسلامية فقدنا العدل فأذلنا الله ، والدول الكافرة عدلت فأعزها الله في الدنيا ، ديننا الذي وصفه ربعي بن عامر رضي الله عنه لملوك فارس: لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
فما بال هؤلاء ، يريدون أن يعبّدوا الناس للحكام الظلمة، من خلال تسخير الإسلام العظيم لخدمة الحكام الظالمين.
وتحميل الضحايا الأبرياء، وزر جريمة الحكام وما يسيل من دماء بأيدي الظالمين، فأي فهم للدين هذا ؟! وأي شرع يزعمون الاحتكام إليه؟! وهل هم يخدمون دين الإسلام والأمة بهذا العمل ؟!
مشكلة هؤلاء، أنهم يسقطون الأحاديث النبوية الآمرة بالطاعة لولي الأمر الشرعي على واقع الحكام المستبدين.
و يبالغون في شرعنة استمرار هؤلاء الحكام على رقاب عباد الله، وتجريم الاعتراض على مظالمهم بصورة لا تخفى فيها رائحة الارتباط بالسلطان، وهذا يمكن تفسيره بمنطقين إما الخوف من النظام، أو الطمع بمنافع دنيوية!!، وهذا لا يستقيم مع رجل الدين ، لأن الخوف ضد الإيمان ، والطمع بالمنفعة الدنيوية ، ضد الإيمان بالآخرة والحساب.
متناسين أن ولي الأمر الشرعي لا تنعقد ولايته خارج الحكم بالشريعة واختيار الأمة، وأن التشديد على السمع والطاعة إنما يستهدف تأمين حفظ وحدة الأمة ومنع انفراط عقدها، وليس تأييد الظلم والقهر فوق رؤوس العباد، ومنعا للخروج على السلطة بالسلاح، وإن السمع والطاعة لا تكون إلا في معروف، وإن خيرية الأمة مقرونة بالتمسك بالحق والعدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا كيف يتناسب كل ذلك مع قوله تعالى: «والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون» الشورى 39. ووصف القرآن لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) الأعراف: 157. «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» الأنبياء: 107.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة». وقوله: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم». وكذلك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»، وقوله: «إذا خشيت أمتي أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها»، وقوله: «لتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف»، وقوله: (نعم الميتة أن يموت الرجل دون حقه).
وحديث عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «سَيَلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة، ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها»، قلت: يا رسول الله! إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: «تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل؟ لا طاعة لمن عصى الله». وهو ما يؤكده حديث عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون أمراء من بعدى يأمرونكم بما تعرفون، ويعملون ما تنكرون، فليس أولئك عليكم بأئمة».
والثورة ضد ظلم الحكام بسبب حجم الظلم على الأمة ليست بدعا من العمل،
فالظلم أو مجرد الشعور بالظلم له آثار خطيرة على الناس.
أما الذين يقولون أن على المسلمين أن يكونوا خاضعين مطيعين لكل من تَغَلب عليهم، حتى لو كانوا شياطين في جثامين إنس، فإنما يريدون هدم الإسلام، وقد أخطئوا في فهم حديث واحد، وتركوا قطعيات الدين المدلول عليها بنصوص كثيرة لا تحصى، من أن الله تعالى أوجب على هذه الأمة أن تنصب الإمامة لتحكم بالشريعة وتقيم العدل بين الناس، وتجاهد لإعلاء كلمة الله تعالى، فكيف تؤمر بطاعة الشياطين!! وهي إنما صارت خير أمة أخرجت للناس لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتجاهد في الله حق جهاده، وإنما يقام هذا كله في إمامة شرعية، تحقق بها الأمة ذاتها ووجودها. 

الدكتور حسان الحموي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق