كل منكم يسأل نفسه هذا السؤال لماذا يطرب الغرب على سمفونية البطش الأسدي ، ولماذا لا يطرب النظام الأسدي من سمفونية التنديد الغربي؟
طبيعي أن يجيب كل منكم حسب تجربته مع نظام الأسد وموقعه منه واتجاهه العروبي والقومي والإسلامي.....
إن براعة النظام في تلحين سمفونية البطش وحرصه على صياغة ألحانها الصاخبة والتي تتناسب مع الإيقاع الغربي، وانتقائه لكلماتها والتي تنساب من خلال منظومة المصطلحات التي يسوقها الغرب كأحد أشهر معزوفاته ، بحيث يظهر النظام كأحد أنشط الأنظمة العالمية في محاربة الإرهاب ، لقد اصطاد النظام في السنوات السابقة عصفورين بحجر واحد ، عندما أرضى الغرب من خلال تعاونه في مكافحة الإرهاب بعد أن صدّر له جميع ملفات السوريين الذين كان يتهمهم بانتمائهم للحركات الإسلامية والسلفية والجهادية والشيوعية والمعارضة للعلمانية .....، وظن أنه قضى على خصومه بالضربة القاضية من جهة، وظهر أمام الغرب أنه متعاون لأقصى ما يمكن في مساعدة الغرب في القضاء على الإرهاب. ولكنه نسي المثل القائل (( أنك تستطيع أن تكذب على بعض الناس بعض الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تكذب على كل الناس كل الوقت )). وفجأة وجد نفسه أمام مجتمع يتشارك بجميع الصفات التي يدعي أنه يحاربها وبدأ يوزع عليه مصطلحات قاموسه القديم ونسي أن تلك المصطلحات لا تصلح لتلحين السمفونيات في هذا العصر .
ومع هذا استمر الغرب في الإصغاء لألحان النظام لا بل ويطرب عليها في كثير من الأحيان ، فقد كان حلم اليهود والغرب إطلاق النار على المسلمين في المساجد وضربهم واعتقالهم بعد الصلاة ولكن لم تتحقق لهم تلك الأماني إلا في عهد نظام الأسد فقد حققها، ولا والأكثر من ذلك أن الغرب لا يدفع شيء ثمناً لذلك بل يتفرج ويستنكر أيضاً وهذا ما شجع النظام على مواصلة التلحين وعزف تلك السمفونيات . هذا طبعا من جهة الغرب، أما العروبيين فكانوا يطربون لسماع كلمات ( أمة عربية واحد ذات رسالة خالدة) . ولكن تلك الكلمات بقدر ما كانت تطرب الآذان ، وتمني الأنفس، وتشحذ الهمم. فإنها كانت تستخدم لتخدير الشعوب العربية البائسة من الواقع الأليم، وكانت بضاعة النظام تبدوا براقة من الخارج إلا أنها كانت متعفنة في الداخل وطعمها مر كالحنظل ، وأما القومجيين فكان النظام يعزف لهم سمفونية الممانعة والقومية والصمود والتصدي، وللأسف كل تلك الفئات كسابقاتها كانت تشنف آذانها بسماع تلك السمفونيات وتطرب لسماعها. وبدا بطش هذا النظام إيقونة كل تلك السمفونيات الأسدية .
وطوال السنين الماضية كانت تجارة النظام رابحة جدا من خلال نظرية التوازن بين الشعارات والبطش .
فالشعارات سيف مسلط على كل من يعادي النظام تغلفه اتهامات مسبقة بمعاداة العروبة والمقاومة ، وذريعة لينهال ببطشه عليهم دون أي محاسبة ، لأنهم لا يستحقون العيش في هذه الدولة الأسدية.
لكنه في نفس الوقت لا يقبل أي نقد من أي دولة أو تنديد حتى وإن كان على استحياء لأن ثمن ذلك سيكون استرجاع العطايا الأسدية منه،
فعطاياه لدول الجوار كانت سخية جدا على حساب الشعب السوري، نجدها بداية من لبنان الشقيقة المقاومة والتي وقعت تحت وصايته ردهة من الزمن خبرت صنوف البطش الأسدي.
وبنفس الوقت الدعم اللامحدود لما يسمى المقاومة والتي فرض عليها مساندته في محنته الحالية من خلال تقديم قرابين حزب اللات على أرض المذبح السوري.
مقابل وقفة العز والشرف للشعب السوري مع محنة لبنان في حربه الأخيرة. أما تركيا فكما تعلمون أن النظام قايض علاقاته مع الدولة العثمانية من خلال تنازله عن اللواء السليب ومنح الامتياز اللامحدود للإمبراطورية العثمانية القادمة في مجال التجارة وخاصة المنطقة الشمالية من سورية بما فيها حلب ، فبعد أن سمعنا تصريحات أركان الحكم التركي بمطالبة نظام الأسد بالإصلاحات و العبارات الانتخابية الداعمة للثورة السورية مع عدم التخلي عن النظام ، تفاجئنا بتراجع النبرة وحتى غيابها على الإطلاق على الرغم من تصاعد البطش على المدن السورية في الأيام الأخيرة ، ومعظمنا كان يتوقع من تركيا موقفا مساندا للشعب السورية ولكن تركيا تعلم أن ثمن أي موقف سيكون خسارتها لكل تلك المكتسبات ، والعودة لبناء منظومة العلاقات التركية السورية من جديد، نظرا لتغليب النظرة الإستراتيجية المتوازنة عند الحكومة التركية واستبعاد النظرة العاطفية تجاه الأحداث وهذا الذي تعتمده السياسة الدولية.
أما العراق فالمتغيرات الكثيرة التي يمتلكها النظام بدءا من اللاجئين إلى المقاومة إلى المتغير الشيعي وانتهاء بالمتغير الحزبي إضافة إلى الولاء المطلق لولي الفقيه عند الحكومة العراقية والتي تقف بالكامل مع النظام الأسدي نظرا لقربه من الدولة الصفوية، وطبعا لا تغيب عنا الدولة الإيرانية والتي منحها النظام كل الصلاحيات لنشر الفكر الصفوي على امتداد الدولة، إضافة للامتيازات التجارية والاقتصادية اللامحدودة . أما الصين وروسيا فتعلمون أن هناك عاملان مهمان يتحكمان في العلاقة مع كل منهما بداية من التكوين الشمولي للحكم في الصين وسابقا روسيا ونهاية بالمصالح الاقتصادية والعسكرية والتجارية لكلا البلدين مع تكثيف الدعاية المؤيدة للنظام عند كليهما والإصلاحات الخلبية والتي تبدوا كما المصطلحات السابقة، وننتهي بالولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل وهذا ليس خافيا على أحد فقضية الجولان والمقاومة الفلسطينية خيوطها بيد النظام يقلبها كيف يشاء ، والهدوء على جبهة الجولان وعدم المطالبة بالحقوق المشروعة للشعب السوري، وانتهاء بمحاربة الإرهاب والتيارات السلفية والجهادية. كل ذلك جعل الغرب يتمسك بالنظام باعتباره الورقة الرابحة في استقرار المنطقة، وأخيرا ما ظهرت علينا من الورقة الثمينة التي بدأ النظام التفاوض مع الدولة الألمانية من خلالها ألا وهي ورقة شاليط ، مقابل شراء الموقف الألماني في مجلس الأمن ، كل تلك ذلك جعل النظام يرفض مجرد التنديد الخجول من قبل الغرب أو مجلس الأمن.
ولكن نعود ونقول إن غباء النظام السوري جعله يظن أنه في الاعتماد على رابطة المصالح المتبادلة على حساب الشعب سوف تؤمن له استمراريته .
فإن أراد الاستمرار في تلك المعادلة فأنصحه بتفريغ البلد من الشعب السوري الذي رفض كل متغيرات تلك المعادلة وأبى إلا أن يشكل معادلته الممزوجة بالحرية والكرامة والعزة ، وليستبدل نظرية الشعارات والبطش ، بنظرية خلط المصطلحات كي يستطيع عزف سمفونيته القادمة إن أراد أن يسمع الأخرين ألحانه الجديدة .
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق