بالأمس سمعنا تصريحات الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف بأن روسيا مستعدة لتأييد اتخاذ قرار لمجلس الأمن بشأن سورية "شريطة أن يكون هذا القرار موجها إلى طرفي النزاع الداخلي ولا يؤدي إلى فرض عقوبات بشأن سورية تلقائيا".
بالطبع هذا التصريح يمكن تفسيره ظاهريا وباطنيا:
أما ظاهريا فيمكن القول بأنه روسيا لم تصلها الصورة الداخلية واضحة وأن الرؤية الروسية للثورة السورية ما زالت مشوشة ، وتحتاج إلى إيضاح ، ولكن هذا القول مردود على قائليه
لأن روسيا تمتلك أكبر تمثيلية دبلوماسية في الشرق الأوسط ، إضافة إلى تمكن الكثير من الدبلوماسيين الروس من اللهجة السورية، نظرا للتاريخ الطويل من التعاون السوري الروسي والذي بلغ في مرحلة سابقة إلى أكثر من 50000 روسي يعملون في أغلب مناحي الحياة السورية ، واختلطت أسرهم بالأسر السورية ، وبالتالي ، لا يمكن القول بأن الروس لا يعلمون حجم البطش الواقع على الشعب السوري في هذه المرحلة.
إذا ننتقل إلى المقولة الثانية: وهي أن لعبة المصالح تقضي بأن تتمسك روسيا بمصالحها المتشابكة مع النظام السوري حتى آخر لحظة في عمر هذا النظام ، وهذا القول يمكن تفنيده أيضا من خلال التجربة القريبة ، المتمثلة في ليبيا ، والتي خسرت فيها روسيا حليفها الليبي ومعه مليارات الدولارات .
القول الثالث : بأن وفد المعارضة فشل في إقناع الروس بأن مصالح روسيا يمكن أن تتحسن في ظل النظام السوري الجديد ، أو أن رؤية المعارضة بالأصل كانت غير واضحة وثابتة وقوية بحيث تنعكس من خلال المناقشات الجارية مع الجانب الروسي.
فهل كان وفد المعارضة مستعجلا عندما أكد على ارتياحه لنتائج المحادثات التي أجراها صباح أمس في مجلس الفدرالية (الشيوخ) الروسي، وأشار إلى "اتفاق وجهات النظر حيال غالبية النقاط" التي كانت مطروحة على جدول الأعمال.
أم أن الأفكار التي جرت بلورتها للخروج بـ"خريطة طريق" تنظم المرحلة الانتقالية في سورية" لم تقنع الروس.
وكان أنسب توصيف للموقف الروسي من الحراك الجاري بأنه "يتقدم ولكن ببطء" وقد أوعز سبب ذلك إلى عمق العلاقات بين دمشق وموسكو وتشعبها، مضيفا أن "الخطوات التي نشهدها من جانب موسكو أخيرا وفكرة إرسال وفد برلماني كلها تدل إلى تقدم ايجابي".
إلا أن هذه المقولة لم ترضي الشارع السوري وخصوصا بعد تصريحات ميدفيديف وبعده بثينة ثعبان والتي شكرت فيها روسيا على "موقفها الموزون" كما تدعي من التطورات الجارية في سورية وعلى "الدعم الروسي المستمر لسعي بلادها لإيجاد تسوية" سلمية للمشاكل التي تعاني منها سورية.
لذلك دعا الناشطون السوريون في الداخل إلى "ثلاثاء الغضب من روسيا" في يوم فعاليات احتجاج على ما وصف بأنه دعم موسكو لنظام بشار الأسد.
وهذا الموقف الفطن للثوار السوريين في الداخل يعي ويدرك غباء الموقف الروسي الذي خسر في ليبيا وسوف يخسر في سوريا أيضا ، ولكن الغير معلن أن موقف روسيا الظاهري يخفي موقفا باطنا يتمثل في لعبة المصالح بين الدول الكبرى ، وهذا ما يفسر زيارة فرنسا بالأمس القريب الى روسيا ، وزيارة بريطانيا اليوم ، وهذا ما جعل روسيا تتعلم من درس الأمس ، وتحاول تعويض خسارتها اليوم من خلال تحصيل أكبر فائدة ممكنة قبل تسليم موافقتها في مجلس الأمن .
فجميع الدول الغربية والعربية أدركت أن بوادر زوال نظام الأسد قد بدأت وأن الخطط وضعت للانقضاض عليه في القريب العاجل ، لكنها تريد توريط النظام في دماء السوريين أكثر ، وهذا ما يبرر انغماس نظام بشار في عملية برق الأسد و قد باشر فيها بالأمس ، وحصد العديد من أرواح الأبرياء . ولكن كل ذلك دون جدوى لأن إنهاك الجيش والأمن وإقحامهم في مواجهة أهلهم في جميع البلدات السورية ، غير مجدي في هذه المرحلة ، مهما اشتد العنف وهذا ما صرح به الرئيس التركي و دول مجلس التعاون .
وقد تسربت بعض الإجراءات التي يمكن أن تشكل رافعة للمعارضة المسلحة والتدخل الدولي في سورية والذي سوف تلعب روسيا دورا في بلورة صياغة خطته وتنفيذها ، إضافة إلى تركيا ودول مجلس التعاون.
والأيام القليلة القادمة سوف تسفر عن تفاصيل العمل الميداني ، بعد أن يتم الإعلان عن المجلس الانتقالي السوري في اسطنبول في اليومين المقبلين .
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق