ماذا نستخلص من شهور الثورة الثمانية ؟

بالطبع كان حلم كل سوري أن يرى بلاده تتحرر من الطغيان، وتنتقل إلى الحكم الديمقراطي الذي تستحقه عن جدارة، ولكن شاءت الأقدار أن ابتلينا بنظام لم يدرج في قاموسه معاني الكلمات التي طالما تغنى بها ، فكان حتما على الشعب السوري كما الشعوب الأخرى التي سبقتنا إلى نيل شرف التحرر ، أن نقاوم ببسالة ليس فقط أشرس نظام عرفته البشرية في كل أزمانها ، بل أخبث وأحقر نظام حكم على مر التاريخ السوري القديم والحديث.

لكن الحدث المهم أن الشعب السوري تحرر من عبوديةٍ كان جاثمة بداخله ، وانطلق مستلهما من أقرانه روح الثورة ، ومستنهضا عزيمة طالما حاول السوريون التعبير عنها في بديهيات حياتهم المعاشة .
وبدأت مسيرة الشهور الثمانية بسلبياتها وإيجابياتها ، لا نبالي ما نتحمله من أثمان باهظة في الأنفس والأموال ، فالهدف غالٍ جدا، لذلك يجب أن ندرك أن الثمن سوف يكون باهظا، إضافة إلى أن تراكم الخبرات لدى الطغمة الحاكمة يجعلها أقدر من سابقاتها على التحمل ومقاومة التغيير والتحايل على المستويين الداخلي والخارجي.
منذ البداية كنت أقول لجميع الثوار المستعجلين ، أن ثورتنا سوف تستغرق أطول فترة بين الثورات العربية، فلا تضعوا لهذه الثورة مهلا قصيرة تكون عبئا على الثورة والثوار، يكون لها آثار سلبية على الهمم، تشكل بالتالي عقبة في طريق الهدف الرئيسي للثورة.
فخصمنا لا يعرف قانون ولا أخلاق ولا أعراف ولا شريعة ولا تقاليد ولا يراعي في سبيل البقاء أي محرمات على أي مستوى وفي أي منحى، لذلك من أراد النصر فليعد العدة وليتوكل على الله حق الاتكال .
بداية يمكنني إيجاز نقاط القوة عند الطغمة الحاكمة والتي هي بحد ذاتها يمكن أن تشكل نقاط ضعف :
1.  الاجرام والتنكيل الذي لايوجد له في مثيل إلا ربما عند نظام القذافي الزائل: وهذا الإجرام يعتبر نقطة قوة لدى الطغمة الحاكمة عندما يغض العالم الطرف عن جرائمها، وهو بذات الوقت نقطة ضعف إذا استطعنا أن نوصل هذا الإجرام إلى المحاكم والمنظمات الدولية.
2.  استغلال الجيش في قمع التظاهرات: وهذا يعتبر نقطة قوة لدى الطغمة الحاكمة في حال استطاعت الحفاظ على تماسك هذا الجيش، ونقطة ضعف في حال ازدادت الانشقاقات، لأن رقعة المعارك تكون كبيرة جدا لا تقدر عليها أعتى الدول الاستعمارية، وهذا لمسناه في العراق وأفغانستان وغيرها.
3.  الدعم الخارجي للطغمة الحاكمة: وهذا من أقوى نقاط القوة لديها وتعلمون أن هناك دول كثيرة كانت تدعمه ابتداءً من إيران و حزب الله و روسيا و الصين إلى الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وفنزويلا والجزائر والسودان ونظام اليمن..، وهذا الأمر يتطلب مجهودات كبرى من المجلس الوطني لإقناع هذه الدول بتحويل مواقفها الداعمة لهذه الطغمة نحو الشعب الثائر، والابتداء من الدول الأقل تصلبا نحو الأكثر تشددا وتحويل هذا الدعم إلى نقطة قوة بيد الشعب، و يجب إدراك حقيقة أن هذا العامل هو العامل الخارجي الحاسم على المستوى الدولي.
4.  الكتلة الشعبية السلبية ( الصامتة): وهذه الكتلة يستغلها النظام ليثبت أكثرية مؤيديه للعالم الخارجي، وهو يحاول تحويل الشعب في جميع المحافظات إلى كتل صامتة من خلال الضغط الأمني المكثف على المدن الرئيسية، بحيث يبقيهم في خانة المعارضين غير الفاعلين، وهذا الذي يبرر الهجمات البربرية على المدن الثائرة بحيث يحاول إخماد جذوة الثورة بأي ثمن، بدءا بالعنف المفرط ومن ثم الضغط الأمني المكثف على العامة. وهذا يتطلب العمل المكثف على ضرب رجال الأمن بحيث يتم إجبارهم على البقاء جماعات خائفة غير آمنة، يتم بين الفينة والأخرى الانقضاض عليها كلما سنحت الظروف على الأرض، وخلق مساحات محمية في المدن لإتاحة الفرصة للمظاهرات السلمية من التعبير لتشكيل الرأي العام وإيصاله إلى الإعلام الخارجي. وبقدر ما نستطيع تحريك هذه الكتلة، نكون حولنا هذا العامل لصالح الثورة، أيضا نكون قللنا من الخسائر البشرية بين المدنيين، وهذا يحتاج عمل استراتيجي ميداني على الأرض وتدريب الشباب الناشط على المقاومة الشعبية وتسليح الجيش الشعبي الاحتياطي على الطريقة السويسرية، والهدف من هذه الفئة ليس مقاتلة جيش الطغمة الحاكمة وإنما حماية المتظاهرين.
5.  الإعلام: وهذا العامل تحاول الطغمة الحاكمة جاهدة على التغلب عليه من خلال الفبركة الإعلامية واستغلال بعض العناصر الموالية في لبنان و إيران و بعض البعثيين العرب، لكن باعتقادي الصورة الواقعية التي تخرج من ميادين الثورة هي ابلغ بكثير من الرسالة التي تحاول عصابات الأسد إظهارها للخارج لذلك يتوجب على الثوار التركيز على إخراج الصورة الواضحة عن مجريات الأحداث ومحاولة اجتذاب مهنيين لساحات التظاهر وحمايتهم من البطش والتنكيل الذي يمارسه الأسد وأزلامه على وكالات الإعلام الدولية . أيضا العمل على تعليم أعداد كبيرة جدا من الثوار لمبادئ العمل الإعلامي وكيفية تصدير الصورة إلى وسائل الإعلام، وهذا من العوامل المهمة والممكنة لاكتسابها كنقطة قوة للثورة.
6.  تفعيل القانون الدولي والمتعلق بجرائم الحرب وحقوق الإنسان: من خلال تشكيل اللجان القانونية الدولية ورفع الدعاوى القانونية أمام محاكم الدول التي يسمح قانونها بذلك وأمام المحاكم الدولية المتخصصة، مع المتابعة واستغلال القضايا التي تبرز التدخل الدولي في جرائم الحرب مثل المساعدات الإيرانية وعناصر حزب الله، والادعاء عليهم أمام المحاكم لفضحهم و الحد من تجاوزاتهم وتحييدهم .
طبعا هناك الكثير من العوامل التي نستطيع سردها لكم ومحاولة تفنيدها، ولكن حتى نتيح الفرصة لكم لطرح الأفكار للوصول إلى رؤى متكاملة حول أنجع العوامل للتغلب على السلبيات التي عانينا منها في مسيرة الثمانية أشهر الماضية، لا بد من محاولة الاعتبار والتفكر والتدبر والاستعانة بالخبرات اللازمة، ومحاول اجتذاب المساعدات من الدول الكبرى التي تستطيع دعم الثورة.

لا يغرنكم الكلام الفارغ الذي يصدر من هنا أو هناك ، فالذي يحمل علم روسيا والصين على طائراته فوق أجواء سوريا، لا يحق له التخوين أو الاعتراض على الوسائل التي يستطيع الثوار الاستعانة بها للتغلب على الصعوبات التي تواجهه في مسيرته نحو تحقيق هدفه، فالمحرمات تكون على الطرفين كما المباحات ، وما أباحته الطغمة الحاكمة لها لا تستطيع تحريمه على غيرها .
الدكتور حسان الحموي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق