شهدت مدينة دوما يوم الخميس 29 آذار 2012 تطور جديد في مسيرة إنجازات الجيش الحر تمثلت بتسليم العميد الركن نعيم خليل عودة إلى الهلال الأحمر السوري وقد تمت العملية حوالي الساعة 9 مساء من قبل عناصر من الجيش الحر قرب جامع طه في وسط مدينة دوما، وتعتبر هذه العملية من أهم عمليات الجيش الحر لأن الأسير أعلى رتبة يتم أسرها أولاً ولأنه من الطائفة العلوية ثانياً وأيضاً لأنه تم اشتراط الإفراج عن ثوار أسرى في سجون الاحتلال الأسدي وبعض جثث الشهداء ثالثاً.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي الرسالة التي أراد الجيش الحر إيصالها من عملية التسليم ؟
أولاً: إن الجيش الحر هو مؤسسة متكاملة محترفة، وعلى الرغم من نقص التسليح والعتاد الذي يعانيه ولكن ذلك لا يعني أنه غير ملتزم أو غير محترف، وقد أعلن الجيش الحر منذ فترة أن العميد الذي تم أسره سيتم مبادلته وهذا ما حصل فعلاً حيث تم في نفس يوم التسليم تشييع جثامين الشهداء الذين قضوا تحت التعذيب في سجون الاحتلال الأسدي، وبالتالي فقد تحقق الهدف من أسر العميد وأصبح لزاماً على الجيش الحر تسليمه وهذا ما حدث وبنفس اليوم أيضاً، كما أن التزام الجيش الحر ومستوى حرفيته كان واضح من بداية أسر العميد حتى عملية التسليم حيث تم معاملته بشكل لائق تماماً كما في الجيوش المحترفة فلم يمد أي عنصر من الجيش الحر يده بضرب أو بسباب أو شتيمة للأسير ولم يتم دفعه ولم يكن مكبل اليدين بل كان يسير بكل بساطة وبجانبه عنصران من الجيش الحر، وهنا أحب أن أقارن بين الجيش الحر وبين ثوار ليبيا الذين مجرد ما وقع القذافي بين أيديهم حتى انهالوا عليه ضرباً ثم قتلوه، وهنا أقول لو أن الجيش الحر كان مثل ثوار ليبيا لكانوا أعدموا هذا الأسير أو على الأقل عذبوه وأساءوا معاملته خاصة أنه برتبة عالية ومن طائفة بشار وعائلته الحاكمة، ولكن ما كان واضح من حسن المعاملة أن الجيش الحر ملتزم وواعي لأبعد الحدود لقرارات قياداته.
ثانياً: جاءت العملية كرسالة تطمين من قبل السوريين السنة إلى الطائفة العلوية أولاً وكل الطوائف والأقليات في سوريا ثانياً أن الثورة السورية ليست استبدال استبداد باستبداد آخر وليست ثورة سنة ضد علوية، وليست نظام قاعدة أو طالبان، بل هي ثورة العدل ضد الظلم والفساد، حيث شاهدنا كيف أن العميد الركن كان بكامل صحته الجسدية ولم يبدو عليه أي أثر تعذيب أو إهانة خلال عملية تسليمه كما كان حليق اللحية مرتب الملابس مهندم الشكل بلباسه العسكري الكامل، حتى أن بعض الظرفاء من أصدقائي قال لي: (( أحس أن هذا العميد متواطئ مع الثوار كي يقومون بإخراج المعتقلين )) والمتابع للفيديو المرفق يرى في ختامه كيف أن أحد الثوار يسلم عليه بطريقة ودودة وهو في سيارة الهلال الأحمر ويقول له مودعاً ومعتذراً "الله معك واستر ما شفت منا"، وهذا يذكرني بالمعتقلين السوريين في سجون الاحتلال الأسدي وكيف يتم تعذيبهم وإهانتهم حتى أن الأسير يفضل الموت على الأسر.
ثالثاً: لاحظنا أن عملية التسليم تدل على قوة وتمكن الجيش الحر فهو اليوم يوجه ضربات موجعة للنظام باستهداف قياداته بالأسر والقتل ثم إن مبادلة الأسرى تدل على اعتراف اللانظام الأسدي بهذا الخصم كما نذكر أن التسليم تم في داخل مدينة دوما وهي المدينة المحاصرة والتي اقتحمتها عصابات الأسد مرارا وتكرارا والتي ينتشر قناصة النظام على أطرافها ويقتلون العديد من أبنائها يومياً وعلى الرغم من ذلك تمت عملية التسليم داخل إحدى حارات دوما الهادئة التي لا يسيطر عليها الجيش الحر كما يتخيل البعض بل يسيطر عليها أهل البلد بمحبتهم وتعاونهم فهذه المنطقة القريبة من جامع طه معروفة بأن كل سكانها من أهل دوما الكرام، وهم بمحض إرادتهم يتعاونون مع الجيش الحر، وهذه هي نقطة قوة الجيش الحر وهي نفسها نقطة ضعف عصابة ال أسد حيث أثبتت الوقائع أنه لا يوجد أحد يقف معهم حتى في منطقة فخمة هادئة يقطنها العشرات من أزلام بشار مثل المزة لم يأتي أحد من سكان المزة ليبلغهم أن الثوار أصبحوا فيها ويخططون لعملية خطيرة وهامة.
رابعاً: تمت عملية التسليم بعد موافقة النظام السوري على خطة كوفي عنان المبعوث الدولي لسوريا، حيث تتضمن وقف فوري لعمليات كتائب الأسد داخل المدن، وبالتالي جاءت هذه العملية كبرهان ودليل عملي على استعداد الجيش الحر للتعاون مع المبعوث الدولي وبالتالي رسالة مباشرة للعالم كله أن الجيش الحر يقف مع أي جهد يؤدي لوقف إطلاق النار في سوريا وبالتالي يحقن دماء المدنيين العزل الأبرياء.
خامساً: جاءت هذه العملية كرسالة مزدوجة لاجتماع الجامعة العبرية (عفواً العربية) المنعقد اليوم في بغداد والتي خرج منها المشاركون مثل ما دخلوا بدون أي قرارات أو خطوات عملية هامة على أي صعيد، وإلى مؤتمر اسطنبول الذي سينعقد في الأيام القادمة كرسالة تبين مستوى مهنية واحترافية الجيش الحر ومدى التزامه بالعهود والمواثيق، كما نضع هذه العملية أمام كل من قطر والسعودية اللتان وعدتا بتسليح الجيش الحر ونقول لهما ما زال الجيش الحر بانتظار وعودكم .
سادساً: مع أخذنا لجميع النقاط السابقة بعين الاعتبار فإن الجيش الحر بعمليته السابقة يدخل خضم الأحداث السياسية كلاعب هام في الأحداث السياسية فتوقيت عملية التسليم جاء بعد قمة عربية فاشلة وبعد موافقة المجرم الأسد على مقترحات عنان وقبل اجتماع إسطنبول، ليدخل الجيش الحر بذلك اللعبة السياسية كمؤسسة وحيدة في المشهد السوري أحبه الشعب السوري ومنحه ثقته المطلقة وامتلك وسائل ولو أنها بسيطة لمواجهة عصابات الأسد ولولا وجود المجلس الوطني السوري الذي مازال يعاني حتى اللحظة من انقسامات وضعف وتشتت لكان وضع الجيش الحر أقوى بكثير على المستوى السياسي.
أخيراً أحب أن اذكر جميع السياسيين والمراقبين أن مطالب الشعب السوري ليست إرسال قوات دولية أو عربية إلى سوريا، أو فرض منطقة حظر جوي بل هي وبكل وضوح تسليح الجيش الحر، لن يعد الشعب السوري يرضى بأي كلام من أي سياسي أو مراقب غير تسليح الجيش الحر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق