الدكتاتور والانفتاح المزعوم

يحاول الديكتاتور ، في بحثه اليائس عن مخرج ، لعب دور الانفتاح على التعددية الحزبية معلناً عن انتخابات حرة و عادلة . و لكنه لا يتكلم عن انتخابات نزيهة . لأن الكذب والنزاهة لا يجتمعان.
 
لذلك سوف يلجأ إلى مهزلة انتخابية يديرها تحت عنوان الديمقراطية . من خلال بناء ديكور بسيط ، يفتح فيه نوافذ لبعض الأحزاب  السياسية المعارضة ، و يزينه ببعض الشخصيات المستقلة المعارضة في الداخل ، والتي استطاع في الفترة الأخيرة اختراقها ،
 لأنها لم تنادي حتى الآن بإسقاط النظام، وبالتالي ينسى هذا الدكتاتور ما تحتَاج إليه البلاد من بناء أساسات صلبة لديمقراطية جديدة .
إن السماح في الآونة الأخيرة لانعقاد مؤتمر المعارضة الداخلية الذي جرى في مزرعة في ريف دمشق في قرية حلبون، يمكن الإشارة إليه من خلال عنوانين رئيسين:
-        الأول -  هو قرارهم بإسقاط النظام الأمني الاستبدادي، دون التصريح بإسقاط النظام برمته.
-         الثاني - هو رفض التدخل الخارجي .
على الرغم من أن الشعب المسكين الواقع تحت أشد صنوف العذاب، اختار تسمية جمعته بجمعة الحماية الدولية.
وهذا هو السبب لسماح النظام لهؤلاء بإقامة مؤتمرهم بسلام؟ وكلنا يتذكر قتل النظام لخمسة عشر (15) متظاهرا سلميا قبل يوم من مؤتمر الإنقاذ برئاسة الأستاذ هيثم المالح في اسطنبول، والذي كان له فرع في دمشق في صالة في حي القابون.
هؤلاء المعارضين مع كامل الاحترام والتقدير لهم ولتاريخهم النضالي الذين أقاموا هذا المؤتمر، هم ليسوا صنيعة مباشرة للنظام، وإنما أغلبهم ينتمي لنفس المرجعية الفكرية التي صنعت هذا النظام، وصنعت حزب البعث الاشتراكي، فيوجد بينهم وبين النظام خلافات في الأسلوب ، وليس في الهدف النهائي.
أن ما سيواجهه بشار الأسد ونظامه من مسؤوليات أمام محاكم عادلة سواء في سوريا الديمقراطية ، أو أمام المحكمة الجنائية الدولية ، فمن الصعب أن يستطيع تقبله ، فيما لو سمح بإجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة ، و هو الأمر الذي تنادي به تلك الأحزاب ، وبعض المنتديات الدولية . فالمناشدات النمطية التي تتحدث فقط عن المصالحة بين من يطلقون النار و بين من يموتون تبدو كلمات فارغة أو شعارات مجردة .
إن الذين يديرون شؤون العالم كما لو أنه رقعة شطرنج ، ينسون و يستهينون بإخفاقات و مآسي الماضي . لقد خلصوا إلى أن الحركة الديمقراطية العميقة للمواطنين السوريين ليست أهلاً للثقة. لأنهم يتخوفون حسب زعمهم من نشوء تيارات أصولية ، تهدد استقرار المنطقة .

إن الحركة الاجتماعية التي تشكل ثورة الشعب السوري هي حركة عابــرة للطوائف و الطبقات . يندمج فيها المتدينون و العلمانيون ، و المثقفون ، و المهنيون ، الكل يستنفرون " لإسقاط النظام " . فالحاجة الحيوية إلى العدالة و الحرية هي أمر مشترك  بين كل الذين يصرخون في ساحات و شوارع البلدات السورية.
ولكن أتباع المدرسة الواقعية يسيرون في خيالهم أبعد من نظرائهم العقلانيين ، ليواجهوا في النهاية الحقائق على الأرض ، بفلسفة لا يقبلها أطراف النزاع .
فلا الشعب ينسى جرائم النظام ، ولا النظام قادر على إصلاح نفسه ، ولا يوجد في التاريخ دكتاتور قبل لنفسه محاكمة عادلة على جرائم يندى لها الجبين بحق شعبه.
وأما التاريخ ، فهو عندما ينحدر بهزليته ، يميل إلى تكرار نفس السيناريو ، مع الجرائم ضد الإنسانية .

الدكتور حسان الحموي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق