بالأمس وقعت الدبلوماسية الأسدية في حيص بيص عندما وضعتها الجامعة العربية بين فكي كماشة وطرحت أمامها ورقة تعتقد هي أنها واقعية وعملية؛ لتلقى قبول الأسد وعصابته ، أو اللجوء إلى الزلازل والعواصف؛ حسب وصف الأسد من جهة والمتحدث باسم الجامعة العربية من جهة أخرى .
وبالتالي كان لزاما من وجهة نظر الجامعة العربية على الأسد أن يجيب بالقبول، لأن سقف المطالب العربية انخفضت إلى الحد الذي لم يعد مقبول عند أجهل ثائر في سورية ، لأنها من جهة لا تلبي مطالب الثوار في رحيل الأسد وعصابته ، ولا تمهد الطريق لإنهاء المرحلة الأولى من الثورة والانتقال إلى المراحل التالية في بناء النظام الديمقراطي وتحقيق الكرامة والعدالة .
ولكن المتبصرين في حكمة وحنكة القائمين على مبادرة الجامعة العربية أدركوا أن أي قبول لأي ورقة من الجامعة العربية مهما كان سقف مطالبها يعتبر سقوط لبشار وطغمته الحاكمة بمعنى الكلمة ، وأن هذا الطاغية لا يستطيع الاستجابة لأبسط حقوق المواطنة ، ومطالبة الشعب والتي تقع أصلا ضمن مسؤولياته ، وإلا فما وظيفته على رأس هرم السياسة السورية ، لكنه يدرك أن الخيار الأول الذي وضعته الجامعة العربية على طاولته وهو قبول المبادرة ، وهذا يعني حماية المتظاهرين ، ويعني حرية التظاهر ، ويعني الاعتراف بالأخر ، ويعني الاعتراف أن هناك معارضة حقيقية ، ويعني قبول شروط خارجية ، ويعني القبول بقوانين لعبة جديدة ، ويعني فرض أوراق جوكر سوف ترمى في سياق اللعب ولا يدري ما الذي سوف يترتب عليها في المستقبل القريب .
أما إن رفض المبادرة فهذا يعني طلاقاً بائناً بين الأسد وطغمته من جهة وبين الجامعة العربية من جهة أخرى ، ويعني أيضا أن مقعد سورية في الجامعة العربية سوف يتم تجميده يوم الأربعاء ، ويعني أن الدول التي كانت تميل على ميله من اللجنة العربية مثل الجزائر وسلطنة عمان ومصر والسودان ، سوف تكون مضطرة لأن تسير في ركاب الدول الأخرى؛ نظرا لعدم استجابة الأسد لمطالبها ، خصوصا أن هذه اللجنة تعتبر من منحبكجية الخارج ، ولا يوجد في الصف العربي أفضل منها للوقوف في صف هذا الظالم ، ويعني أيضا أن الجامعة ربما تلجأ للتحاور مع المعارضة كخيار بديل، وتعلمون أن هذه الأخيرة اتخذت من مصر مكان إقامة؛ وغرفة عمليات ، أيضا يعني أنه ربما تلجأ الجامعة العربية لتحويل الملف إلى مجلس الأمن مجددا، وهذه المرة مدعوما بقرار عربي ، و تعلمون أن الصين استبقت هذا الموقف بإعلان وقوفها مع مبادرة الجامعة العربية ، أي أن الصين ربما تكون غيرت من سياستها الخارجية تجاه الوضع في سوريا ، ولم يبقى سوى روسيا التي استنجد بها الأسد أمس لمساعدته في الخروج من هذا المأزق .
أما الخيار الثالث وهو عدم الرد والذي مالت إليه الدبلوماسية الأسدية ، وهذا الذي شاهدناه أمس من خلال انسحاب وفد الأسد دون تقديم الرد، ولكن هذا لن يطول لأن هناك مهلة أعطتها الجامعة العربية لعصابة الأسد، وبالتالي هناك اجتماع محدد مسبقا للجامعة العربية يوم الأربعاء القادم ، وبالتالي يتوجب على الأسد وحاشيته اتخاذ موقف سريع واستباقي يسحب البساط من تحت أرجل اللاعبين الأساسيين في الجامعة العربية ، للتقليل من الخسائر السياسية التي سوف تترتب على هذا الموقف ، ومن ثم إعادة ترتيب أوراق اللعب بحيث يتم الاستفادة من الجوكر السوري في اللحظة الأخيرة ، وهذا ما برر مناشدة الأسد لروسيا مساعدته في هذا الوقت العصيب ، أيضا الأمور على الأرض تسير عكس ما يتمناه الأسد ، فحمص رغم الأسى الذي تكابده؛ تكاد تخرج من سلطته ، وتصبح مصراته سورية في الزمن القريب ، خصوصا من زيادة قوة كتيبة خالد بن الوليد ، والتي أصبحت تشكل شوكة في خاصرة عصابة الأسد ، ومع تزايد الانشقاقات ، والخسائر الجسيمة التي تتكبدها هناك ، لم يعد بالإمكان التعامل أمنيا مع حمص العدية. وبالتالي فإن الخيار الثالث الذي اختاره الأسد لنفسه يكاد يكون ورقة التوت التي غطى بها عورته، بعد أن بدت له سوءته ، ريثما يخبره مستشاروه من الملالي الإيرانية ، وأصدقاءه الروسيين؛ عن أنجع السبل في التعامل مع هذه المرحلة ، خاصة وأن صراخه في الأيام الأخيرة يعطي مؤشرا على قرب نهاية اللعبة ، فهذا الطير بشار أضحى يصرخ مذبوحا من الألم ، لأنه بدأ يخسر معظم أرواق اللعب، ولم يعد بيده ما يكسب به الرهان ، وأمسى يبيع بضاعة لا زبون لها في هذه المرحلة التي تكشفت كل صورها أمام العالم الخارجي ، وهي تعي أن لا وجود لتلك الفزاعات التي كانت الأنظمة العربية تكسب بها مساندة الغرب . .....!.
فما الذي تعتقدون أن الأسد وعصاباته سوف يقومون به في هذا الوقت القصير جدا ؟.
أترك ذلك لطروحاتكم وأرائكم ، ولا أنصحكم أن تضعوا أنفسكم مكان الأسد وعصابته ، فهو في وضع لا يحسد عليه أبدا .
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق