حان وقت الحسم

هناك مؤشرات كثيرة من اقتراب العمل السياسي الخارجي من نقطة الحسم ، خاصة مع تصاعد الاهتمام الدولي والإقليمي بسورية ، وبعد سقوط نظام القذافي في ليبيا، الأمر الذي نقل التعاطي الدولي مع سورية إلى مرحلة جديدة. بعد أن عمل النظام في دمشق وحلفاؤه جاهدين على إعانة القذافي على الصمود لأطول مدة ممكنة.
وبالطبع حركة الاحتجاج الشعبي في سورية رأت في ذلك دافعاً معنوياً وسياسياً لمواصلة تحركاتها في موازاة ضبط ساعة التصعيد الدولي على «التوقيت الليبي»، والذي تأخر كثيرا، وفق بعض الأوساط من بداية شهر رمضان المبارك إلى آخره خلافاً لحسابات عواصم إقليمية ودولية.هذا الأمر يستدعي منا أن ننتقل إلى تطوير خطة العمل الثوري الداخلي بعد أن نقرأ خريطة العمل السياسي القريبة من سورية والتي كانت على الشكل التالي:
1 – لقد حرصت كلاً من تركيا وإيران على بذل الجهود من أجل عدم تكرار النموذج الليبي ، وأيضا المثل العراقي في سورية ، ليس من زاوية التدخل العسكري الأجنبي فيه فحسب، بل من زاوية ضرورة تجنب نمو التناقضات الطائفية والمذهبية التي يشهدها العراق. ومن هنا جاء الاتفاق التركي – الإيراني على تجنب التدخل الخارجي في سورية.
2 – وطبعا إيران تعرضت مع حليفها السوري إلى انتكاسة في عملية الإمساك بأوراق عدة في المنطقة نتيجة الربيع العربي، لا سيما على الساحة الفلسطينية حيث اختارت حركة «حماس» الذهاب نحو المصالحة الفلسطينية بالتنسيق مع مصر، بعد التغيير الذي حصل فيها، بحيث باتت «حماس» مع التهدئة الأمنية في غزة.
 وهذا، وفق الأوساط المتابعة للموقف الإيراني، دفع طهران إلى التمسك الشديد بدعم النظام في سورية ، لأن سورية معبرها إلى لبنان لدعم «حزب الله» كما بدا واضحا في خطاب نصراللات مؤخرا .
ولأن هذا الأمر مصيري بالنسبة إلى طهران ، سعت إلى دعم النظام بكل الوسائل ، فمارست نفوذها مع حكومة المالكي في العراق لمد سورية بالدعم الاقتصادي عن طريق بيعها النفط بأسعار مخفضة ، وتسهيل تصريف البضائع السورية عن طريق الحدود العراقية، فضلاً عن التسهيلات المصرفية، في مواجهة العقوبات الأميركية والأوروبية على سورية.
أيضا سارعت طهران إلى مد دمشق بالسيولة المالية بما يحول دون انهيار سعر صرف الليرة السورية بفعل الأحداث والانكماش الاقتصادي، وهذا الدعم الإيراني مكّن النظام من حماية وضعه الاقتصادي لأشهر مقبلة.
لكن في الفترة الأخيرة ، بدا أن هناك تغير في موقف نصراللات ، فإضافة الى دعمه النظام قال: «نريد سورية القوية بالإصلاحات والتطوير… ودفع الأمور الى الحوار والمعالجة السلمية». إلا أنه تراجع عندما قال «لا يمكن أن يمشي أحد بالإصلاح سريعاً، تحت الضغط». أعتقد أن كلامه يمكن أن نقرأه مع تصريحات المسؤولين الإيرانيين في نفس السياق . نوع من إحداث التوازن ، في ظل «الصراع على سورية» بين القوى الإقليمية والدولية.

3 – أيضا بدأ الموقف الإيراني يتطور من خلال تعديل لهجة كبار المسؤولين الإيرانيين الذين باتوا يتحدثون عن ضرورة «الإصلاحات الواسعة» والحوار بين «الحكومة والشعب» والتجاوب مع تطلعات الشعب… الخ.
4- أما الجانب التركي فقد قرر سلوك هذا التوجه لاقتناعه بأنه يجب توظيف الضغط الخارجي الدولي، المرفوض من أنقرة، من أجل إقناع النظام بوقف القتل والإقبال الجدي على الإصلاحات، نظراً إلى أن أفق الأزمة مسدود، فلا الحركة الاحتجاجية سوف تتوقف، خاصة مع  تصاعد نزيف الدماء ، وشعور النظام أن المعارضة لن تستطيع إسقاطه في الوقت الراهن، ضمن المعادلة الدولية الحالية، لا سيما أن المعارضة ما زالت غير موحدة لا في القيادة ولا في البرنامج.
5 – انضمام روسيا قريباً إلى الضغوط على النظام ، والقبول بقرار دولي بعقوبات على النظام ، لاعتقاد موسكو بأن سياسة قتل المتظاهرين باتت لا تحتمل ، وأنها تعطي لنفسها مهلة أسبوعين قبل أن تنضم إلى الدول الداعمة للعقوبات بهذه الطريقة أو تلك. خاصة مع ركون النظام و إصرار أركانه على الحل الأمني، والذي من المحتمل أن يحول البلاد إلى حرب أهلية.
6 – الضغط العربي باتجاه وقف نزيف الدماء، وإجراء الإصلاحات والدخول مع المعارضة في حوار للخروج من الأزمة تحت مظلة الجامعة العربية، حيث تم تشكيل لجنة لتحقيق هذا المسار، ولكن سرعان ما رفضه النظام واعتبره تدخلا في الشأن الداخلي السوري، الأمر الذي اضطر أمين الجامعة العربية للذهاب إلى الأسد لمحاولة إقناعه بما يسمى بالفرصة الأخيرة.
7-  وصول لجنة تنسيق المعارضة إلى الدوحة في محاولة لتوحيد جهودها، والخروج بالمجلس الانتقالي المؤقت ، لإتاحة الفرصة لمخاطبة العالم الخارجي بخطاب موحد يجمع أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج .

وباعتبار أن الوضع الخارجي أصبح مؤهلا للتصعيد الداخلي من قبل الثوار والوصول لنقطة الحسم ، أصبح من الضروري اتخاذ الخطوات التالية تجاه الجهات التي تشكل خطر على الثوار، وتحد من امتداد الثورة :
1- الشبيحة:
هذه الفئة الخارجة عن القانون والتي تحدث ضررا كبير بالثوار وتعين رجال الأمن على الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المطلوبين وإلقاء القبض عليهم ، والمعلوم أن عدد الشبيحة الذين استخدموا للتنكيل بالمتظاهرين وأهالي المدن السورية ليسوا أكثر من (38000) ثمانية وثلاثون ألف شبيح جّلهم من المجرمين العاديين الذين اخرجوا من السجون أو المهربين أو العاطلين عن العمل والمخبرين وبعضهم أعضاء في حزب البعث الحاكم ، ولذلك من الآن فصاعدا لن يتم التساهل مع هذه الفئة فإما أن تقف على الحياد أو أن تلقى العقاب اللازم ويكون ذلك من خلال استعمال بعض الأدوات السلمية التي يستعملونها هم خلال الأشهر الخمسة الماضية كالهراوات و الشباب أولي القوّة الذين يحمون المظاهرات .. ملثمين كانوا ام غير ملثمين، بحيث يشعر كل شبيح أنه من الآن فصاعدا سوف يحمل روحه على كفة إن أراد الخروج مع الأمن فأعدادنا كبيرة لن يستطيعوا الثبات أما ضربات الثوار.
2- العواينية :
ضررهم كبير ولكن يمكن التغلب عليهم من خلال إيقاع الأذى بهم وتهديد أهاليهم والتشهير بهم والإضرار بممتلكاتهم الخاصة ، والتعليم على بيوتهم وسياراتهم وطردهم من مناطقهم، والاستفراد بهم ومتابعتهم وعركم .
3- الأمن :
وهي العناصر المدربة والمنظمة في النظام وهم الذين يحدثون الفرق في المعادلة ويمكن التعامل معهم من خلال السلاح الدفاعي الأنجع وهو المولوتف و القنابل الصوتية و الحجارة. أما بالنسبة للباصات و السيارات الكبيرة التي تنقلهم فيمكن التغلب عليها من خلال ، (  نشر المسامير الكبيرة عند وصول الباصات لبنشرة الإطارات ، وملئ خزانات وقودهم بالرمل لتخريب المحركات، أيضا بخ الزجاج الأمامي بالدهان الأسود ، أو ضربه بالبيض النيء…الخ).
 إن معاقبة رجال الأمن و العواينية و الشبيحة دون التعرض للأرواح لا أظنه ينفي صفة السلمية عن الثورة .
4-  الجيش :
الذي يستخدمه النظام للتخويف والإرهاب ومساندة الشبيحة والأمن على أداء مهامهم وهذا الجيش خط أحمر ، لا أنصح في هذه المرحلة الاقتراب منه إلا من خلال استخدام الأدوات التي تعرقل تقدمه فقط ، من خلال وضع حواجز إسمنتية في منتصف الطرقات وحفر الطرقات حفر عميقة ، ووضع حدائد ثلاثية متشابكة من البولاد في الطرقات لإعاقة حركة المجنزرات، وترك التعامل المسلح مع الجيش للواء الضباط الأحرار.
5- التجار ممولي الشبيحة:
هذه الشريحة هي الأخطر على الثورة ولكنها لا تعرف إلا لغة المصالح ، لأنهم يمولون الشبيحة والدولة بالمال اللازم لاستمرارهم في كبح جماح الثوار، وهؤلاء يمكن التعامل معهم بالتدريج ، في البداية يمكن وضع المناشير في مكاتبهم ، وتحذيرهم من استمرارهم في دعم النظام ، ومن ثم حرق مستودعاتهم ، ومكاتبهم ، وسياراتهم. وتهديدهم بالوصول إلى بيوتهم ، كما يفعل النظام مع المؤيدين.
فالمرحلة الحالية تتطلب منا تصعيد العمل الثوري مع التقليل من خطر العناصر الموالية للنظام، لتحقيق الكفاءة والفعالية اللازمة في الأداء المطلوب، للوصول إلى الهدف المنشود والمتمثل بإسقاط النظام، وبناء الدولة الحديثة ، والدخول إلى العالم الحديث من بوابة الحرية والكرامة والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان ، من خلال بناء مجتمع متحضر ، يعيد لسورية أمجادها إن شاء الله.

الدكتور حسان الحموي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق