بنظر غالبية المراقبين السياسيين كانت خطوة الجامعة العربية في الثاني عشر من تشرين الثاني لسنة 2011م ، ثورة بمعنى الكلمة على المسار الطبيعي لسياق العمل العربي المشترك داخل أروقة الجامعة العربية ، حيث كان القرار صاعقا على عصابات الأسد في العاصمة السورية أفقدهم التوازن وجعلهم كالضباع الهائجه حول فريستها .
الدكتور حسان الحموي
و مع علمنا أن سقف طموح الثوار كان أكبر من ذلك ، لكن واقع العمل العربي المحبط في السنوات الماضية ، جعل أكثر المتفائلين لا يتوقعون مثل هذا القرار .
إن الدافع الحقيقي وراء هذا القرار لم يكن إرادة التغيير عند القادة العرب ، ولكن هول المشاهد المرعبة التي ترد من الداخل السوري ، وحجم الدماء؛ والسادية التي ظهر فيها الأسد وعصابته ، وهذا هو الذي أجبر العرب على تحمل جزء من المسؤولية. ربما لأن النظام العربي في هذه القضية يقع خارج الضغط والحسابات الدقيقة للصهيونية العالمية والدول الكبرى ، وهذا ما أكسبه هامش حركة أوسع من الهوامش التي كانت في القضايا العربية السابقة أمام الكيان الصهيوني .
هذا الكلام ليس معناه أن النظام العربي كان متواطئا مع الغرب والامبريالية كما يدعي أزلام الأسد ، وإنما كان لديهم الاستطاعة للاستجابة لنداء الاستغاثة الصادر عن الشعب السوري المقهور .
وبالرغم من تجاوز الجامعة العربية لمتطلبات القرار المتخذ، إلا أنه ظهر للعيان أن الإجماع كان موجودا ضمنا لدى الجامعة ؛ باعتبار أن لبنان قرارها مسلوب لصالح الأسد منذ زمن بعيد ولم يستطع التحرر بعد من السلطة الأسدية ، وإنما تم إحلال قوة غير مباشرة متمثلة بحزب الله مكان القوة المباشرة التي كانت متمثلة آنذاك بالجيش الأسدي، أما اليمن فكلنا يعلم أن إرادة الشعب تصرخ صباح مساء بأناشيد القاشوش مطالبة بالحرية لها ولسورية ، وأن قرارها مسلوب للطغمة الحاكمة هناك ، وأن اليمن صوتت تحت الضغط سعيا وراء موقف مأمول لمساعدة الطاغية في معركته ضد الشعب اليمني الأبي من قبل الأسد ، حيث كان من المفروض على الجامعة التصويت على تجميد عضوية النظامين السوري واليمني بقرار واحد لما للنظامين من مشتركات في الظلم والاستبداد وإن كان ظلم الأسد أكثر جلاءً ووضوحا ودموية .
وطبعا لن أتكلم عن القرار العراقي لأنني أعتبره متقدما جدا عن سابقيه، فبالرغم من خضوعه للسياسة الصفوية؛ وبالرغم من ولاءه الكامل لملالي إيران ، إلا أن موقفه كان جريئا ، ربما لأنه على إطلاع تام بحجم المأساة التي وقعت على الشعب السوري ، أو ربما لأنه كان يعي حجم الظلم الذي يمارسه النظام البعثي في كلا البلدين ، وأن مصلحة العراق المستقبلية هو في ذهاب نظام البعث، ولكن بدون إثارة غضب ملالي إيران .
أو ربما لأن القراءة المستقبلية للنظام العراقي تحتم عليه الإبقاء على شعرة معاوية مع الشعب السوري.
إن صدور قرار الجامعة العربية يكون غير ذي جدوى إذا لم يكن متكاملا مع قرارات أخرى وإجراءات على الصعيدين الداخلي والخارجي ، فما المطلوب الآن للاستفادة من هذا القرار، وكيف يمكن استغلال هذا القرار لمصلحة الثورة والثوار!.
بداية كي نستطيع تفعيل عمل الثوار ؛ كنا وما نزال نطالب بإجراءات عملية على الأرض متمثلة بقرارات المجلس الوطني مع إضافة بسيطة ، مع علمي أن المجلس الوطني لم يضعها ضمن أولوياته حتى هذه اللحظة، ربما لاعتبارات سياسية خارجية ، أو ربما للاقتراب من هيئة التنسيق بغية التلاقي معها في منتصف الطريق ، ولكن العمل الاستراتيجي يتطلب أن نسخر كل المتغيرات لصالح تحقيق الأهداف . مع ترك هامش بسيط للعمل السياسي لقيادة المرحلة ، مع التأكيد أن العمل على الأرض هو الذي يشكل الرافعة للعمل السياسي المشترك بالنسبة للمعارضة ، وهذا معناه توفير قوة رادعة للنظام تكون بديلة عن القوى الدولية في حال تم استبعاد خيار التدخل الدولي ، وبمعنى آخر أنه لا مفر من تبني الجيش السوري الحر لأنه سوف يشكل نواة الجيش السوري في المستقبل ، أيضا سيكون ذراع الثوار الضاربة على الأرض ، وطبعا هذا يتطلب منطقة عازلة ؛ وحظر جوي ، ودعم لوجستي ومادي ، مع توفير الحماية اللازمة لأهالي العسكريين المنشقين عن جيش الأسد.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يتطلب الأمر الإسراع في تفعيل العمل القانوني الدولي بغية تحويل مرتكبي الجرائم للمحاكم الدولية ، واستقدام المنظمات للداخل السوري ، وخاصة ما يتعلق منها بالعمل الاغاثي .
كل ذلك يتطلب التفرغ الكامل للعمل السياسي من قبل المعارضة ؛ وتوفير الكوادر القادرة والفاعلة والمتخصصة ، أيضا عدم ركون الثوار بالداخل لهذا القرار ، لأنه بمثابة حجر الأساس لانطلاق العمل الثوري .
إن أهم عوامل النجاح في المرحلة الحالية ، يكون من خلال العمل الاستراتيجي المتكامل ، ومن خلال تقاسم الأدوار ، وتشكيل لجان متابعة وتقييم ، لتصويب المسارات بشكل مستمر وتصحيح الأخطاء أولا بأول ، واستغلال تخبط الأسد وعصابته والتركيز على إفقاده التوازن والتركيز ، وضرب مرتكزات عمله في الداخل والخارج .
نحن نعلم أننا نحتاج إلى مجهود جبار ، ولكن بشهادة العالم كله ، نستطيع الثقة بقدراتنا ، فالمرحلة التي استطعنا تجاوزها كان عظيمة بكل المقاييس ، ونحن قادرون بعون الله على تخطي المراحل القادمة ، والوصول إلى غاياتنا بإذنه تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق