بعد افتضاح أمر الطاغية من خلال الرسائل المسربة التي تم الاستيلاء عليها من خلال بريده الالكتروني والفضائح المشينة والتي تسببت في تشويه الوجه الخفي لبشار وعائلته، حاول مؤيدو الطاغية تعديل كفة الفضائح من خلال محاولة الاستيلاء على بريد رئيس المجلس الوطني برهان غليون ، ونشر رسائله البريدية ؛ والقصد من ذلك كان تشويه صورة برهان وإظهار عمالته للغرب (الدول التي تخالف سياسة بشار ولو بالظاهر حيث توصف أمريكا والدول الأوربية بالإمبريالية العالمية )، والدول الرجعية (دول الخليج العربي) ؛ كما يصفها الموالون للطاغية.
ولتأكيد ذلك فقد أفرجت جريدة الأخبار عن بعض الرسائل التي تصف رئيس المجلس الوطني برهان غليون، إضافة إلى علاقاته وصلاته غرباً وشرقاً، وسبل إدارته للأموال التي يحصل عليها. وكذلك تُظهر هذه الرسائل نظرة المجلس لنفسه ومكوناته. و مستوى التنسيق بينه وبين تلك الدول ، و محاضر اجتماع المكتب التنفيذي للمجلس ، والرسائل التي بعث بها غليون إلى وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل والتي يثمن فيها موقف المملكة من الثورة السورية.
والملاحظ أن جريدة الأخبار تعمل جاهدة على إظهار الجانب السلبي لهذه الرسائل من خلال تأويل المحتويات ضمن مسار معين ومحاولة إظهار الكيان الأبرز في المعارضة بأنه جسم غير متجانس ، كونه مؤلفاً من مكونات عديدة، لا يربطها سوى العداء للنظام السوري. وهذا التنوع يضمر الكثير من التباين (حسب تفسيرهم) وفي العديد من القضايا: بدءا من آلية اتخاذ القرار إلى الهيكلية، ومن المطالبة بالديمقراطية في سوريا وغياب الانتخابات داخل المجلس والاستمرار بالتمديد للرئيس.
ومن أبرز ما تكشفه هذه المراسلات، مطالبة الأعضاء بتطبيق أبسط مبادئ الديمقراطية في اختيار الأعضاء وآلية العمل والتي كانت محط انتقاد من قبل بعض المعارضين الذين أرسلوا بريدا يوضح الآلية المطلوبة، و يطالبون فيه بإعادة هيكلة الجسم المعارض، وخاصة لناحية عدم فاعلية أعضائه، وضرورة الانتقال من التعيين إلى الانتخاب، والكف عن التمديد لرئيس المجلس برهان غليون.
أما الرسائل الأخرى فتبين آلية صرف الأموال التي تأتي من حسابات قطرية، وتحول إلى تركيا بأوامر من برهان غليون واثنين من زملائه. للإغاثة العاجلة للاجئين في تركيا. ورسائل أخرى تبين طلب القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي مقابلة غليون، حيث رفض إجراء هذه المقابلة .
و طبعا هذه الرسائل تنم عن رجل ذو مسؤولية ، ولا يمكن مقارنتها بالرسائل المسربة أخيرا عن بريد الطاغية بشار؛ ومحتواها من الفضائح الجنسية والصور العارية والمشتريات والترفيه ، والمسؤولية عن ارتكاب الجرائم والتجاوزات الفظيعة بحق المواطنين.
كذلك تكشف إحدى المراسلات التي وصلت إلى بريد برهان غليون رغبة عدد من أعضاء «المجلس الوطني» باستقطاب «المكون العلوي» إلى صفوف معارضي النظام،
إضافة إلى طلب بعض الأعضاء من «برهان غليون إدانة فئات من الطائفة العلوية المتورطة في اختطاف (10) نساء داخل سورية ، و المطالبة بفك أسر الحرائر اللواتي اختطفن على أيدي تلك العصابات من الطائفة العلوية». نظرا لأن الطاغية حسب رأي هيثم رحمة، «يستغل الطائفة العلوية وغيرها» بعمليات الخطف المذكورة، مشيراً إلى أن هذه الأعمال لن يوقفها «تهديد المجلس الضعيف المحبط الذي لا يقوى على إصدار بيان يضع الأمور في نصابها».
وبالطبع هذه الرسائل بالرغم من محاول توظيفها في إظهار الوجه السلبي للمجلس الوطني ، إلا أنه رب ضارة نافعة ، فهي على الأقل تظهر نزاهة وشفافية المجلس وتظهر حرص رئيس المجلس على العمل بمصداقية ضمن مسار وطني .
على النقيض تماما من ذاك الوجه الحقير الذي بدا عليه بشار من خلال كشف المستور في تصرفاته العصابوية .
وبالرغم من أن المرحلة فرضت على المجلس خيارات يعترض عليها البعض ، حيث وردت في إحدى الرسائل انتقادات لرئيس المجلس ووضعت الحلول لها ، وهذا دليل ايجابي على قدرة أعضاء المجلس على النقد واقتراح البدائل ، بدلا من التنزيه الشخصي للرئيس لدرجة الألوهية .
ونحن بدورنا نركز على أهم النقاط التي تشكل مطلب لجميع أركان المعارضة بغية الانتقال إلى حافة الهاوية الأخرى، و التي تشكل منطلق لدولة يسعى إليها كل السوريين؛ والمتمثلة بالآتي :
1- إيجاد آلية لاتخاذ القرار بحيث تكون واضحة وشفافة ، و آلية تواصل وتصويت ميسرة تقنياً لجميع أعضاء المجلس، والاستفادة من إمكانيات الأعضاء لدعم هذه الآلية .
2- تدوين كل محاضر الجلسات النظامية حتى يُرجَع إليها في حال حدوث أي اختلاف أو تنصل من الاتفاقات.
3- تفعيل دور اللجنة القانونية في تلقي الشكاوي وبتّها، وإلزام أعضاء المجلس بمن فيهم المكتب التنفيذي بقرار اللجنة القانونية.
4- إستراتيجية واضحة للعمل للأشهر المقبلة، وضرورة إعلان البنود العريضة لهذه الإستراتيجية.
5- إشراك الهيئة العامة في العمل، و التخلص من مشكلة الفردية في العمل، والانتقال السريع للعمل المؤسساتي والتخصصي ، وأن تكون القرارات صادرة عن الجهات المختصة مع الإبقاء على خاصية اتخاذ القرارات الحاسمة من قبل الأمانة العامة والمكتب التنفيذي، و ضرورة توظيف كافة الطاقات داخل المجلس.
6- التركيز على إيجاد آلية لانتخاب رئيس المجلس والتي أصبحت قضية حيوية وقضية صدقية للمجلس؛ بغض النظر عن الظروف الدولية التي تقتضي أولويات معينة يرتئيها البعض؛ وخاصة مناصري بقاء الدكتور برهان رئيسا للمجلس في هذه المرحلة الانتقالية.
وبغض النظر عن أداء المجلس ورئيسه، فإن التمديد يجب أن يكون وفق آلية انتخاب مؤسساتية داخل المجلس، بغية الحفاظ على صدقية المجلس؛ و قدرته على إزاحة النظام الدكتاتوري، والانتقال إلى بناء نظام ديمقراطي يطمح له الجميع .
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق