سوريا والفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة

يتردد في الفترة الأخير بعض المقولات عن إمكانية التدخل الدولي تحت الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة .

طبعا في ظل التعنت الروسي ووقوفها كحجر عثرة أمام التدخل الدولي؛ من خلال استخدامها حق النقض الفيتو ضد أي قرار يمكن أن يصدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع .


وبعد صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة والتي اتهمت فيها قوات الأمن السورية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حق المتظاهرين المناهضين للنظام السوري، واستندت اللجنة إلى شهادات ضحايا وشهود خارج سوريا أكدت أن هذه الانتهاكات وقعت بأوامر من قيادات عليا في نظام بشار الأسد.

وقالت اللجنة أن الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية من بينها القتل والتعذيب والاغتصاب كانت بإيعاز من حكومة الرئيس بشار الأسد وأنها تتحمل المسؤولية عن تلك الجرائم..

لذلك أصبح هناك ضرورة لتحرك دولي لحماية المدنيين من إجرام هذا النظام ، لأن هذا النظام أصبح خطرا على السلم الأهلي في المنطقة ، فحسب آخر تقرير صدر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان إن عدد القتلى منذ بدء حركة الاحتجاج ارتفع إلى 4751 شخصاً، بينهم 303 أطفال، فيما قضى نحو 205 سيدات.

وذكر اتحاد تنسيقيات الثورة أن 150 شخصا قتلوا تحت التعذيب، وأن عدد المفقودين بلغ نحو 40 ألفا، إضافة إلى نحو 50 ألف معتقل منذ بدء الأحداث في مارس/آذار الماضي. في حين قدر الاتحاد عدد اللاجئين الذين فروا إلى مدن الجوار بنحو 16227 لاجئا، بينهم 10227 لاجئا إلى تركيا، 4 آلاف لاجئ إلى لبنان ونحو 2000 لاجئ سوري إلى الأردن.

إذا كيف يمكن للمجتمع الدولي التحرك بهذا الاتجاه مع تفادي الذهاب إلى مجلس الأمن ، وطبعا التجربة الماثلة أما أعيننا والتي ما زالت فعاليتها شاهدة في القرن الماضي؛ هي تجربة كوسوفو والصرب ، حيث اضطر الغرب إلى التدخل تحت البند الثامن ، متجاوزين عقبة الفيتو الروسي ، والذي كان دائما يحاول التصدي للمشاريع الغربية الموجهة نحو دول ما يسمى المعسكر الاشتراكي سابقا .

طبعا روسيا لا تستطيع الاستجابة لما يسمى ثورات الربيع العربية أو غير ذلك ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، فروسيا تعيش منذ عقود في ظل الاستبداد السوفيتي ، ومن ثم تحولت إلى الاستبداد الروسي ، وبالتالي فهي تقف مع الحكومات التي تلبي مصالحها، والتي ما زالت تتبنى السياسة الاستبدادية السوفيتية .

وبالتالي لا يوجد مخرج في هذه الحالة سوى اللجوء إلى التدخل الخارجي تحت الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة ، حيث تقضي المادة 52 منه أنه :

ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ما يكون العمل الإقليمي صالحاً فيها ومناسباً ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد "الأمم المتحدة" ومبادئها.

يبذل أعضاء "الأمم المتحدة" الداخلون في مثل هذه التنظيمات أو الذين تتألف منهم تلك الوكالات كل جهدهم لتدبير الحل السلمي للمنازعات المحلية عن طريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة هذه الوكالات وذلك قبل عرضها على مجلس الأمن.

على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية بطريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة تلك الوكالات الإقليمية بطلب من الدول التي يعنيها الأمر أو بالإحالة عليها من جانب مجلس الأمن.

لا تعطل هذه المادة بحال من الأحوال تطبيق المادتين 34 و 35.

أما المادة 53 منه فتنص على أنه:

يستخدم مجلس الأمن تلك التنظيمات والوكالات الإقليمية في أعمال القمع، كلما رأى ذلك ملائماً ويكون عملها حينئذ تحت مراقبته وإشرافه. أما التنظيمات والوكالات نفسها فإنه لا يجوز بمقتضاها أو على يدها القيام بأي عمل من أعمال القمع بغير إذن المجلس، ويستثنى مما تقدم التدابير التي تتخذ ضد أية دولة من دول الأعداء المعرّفة في الفقرة 2 من هذه المادة مما هو منصوص عليه في المادة 107 أو التدابير التي يكون المقصود بها في التنظيمات الإقليمية منع تجدد سياسة العدوان من جانب دولة من تلك الدول، وذلك إلى أن يحين الوقت الذي قد يعهد فيه إلى الهيئة، بناءً على طلب الحكومات ذات الشأن، بالمسؤولية عن منع كل عدوان آخر من جانب أية دولة من تلك الدول.

تنطبق عبارة "الدولة المعادية" المذكورة في الفقرة 1 من هذه المادة على أية دولة كانت في الحرب العالمية الثانية من أعداء أية دولة موقعة على هذا الميثاق.

وأخيرا تنص المادة 54 منه على أنه:

يجب أن يكون مجلس الأمن على علم تام بما يجري من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي بمقتضى تنظيمات أو بواسطة وكالات إقليمية أو ما يزمع إجراؤه منها.

وطبعا هذا الأمر ينطبق على الجامعة العربية وتركيا ، وهو الذي قامت به مؤخر من خلال محاولة طرح مبادرتها وإقناع الأسد وعصابته بالامتثال لهذه المبادرة والتوقيع على البرتوكول ، ولكن بلا جدوى حتى هذه اللحظة ، وبالتالي تم الانتقال إلى الخطوة التالية والمتمثلة بالعقوبات الاقتصادية والسياسية ، والتي من المحتمل أن تتطور نحو التدخل العسكري قريبا ، تحت الفصل الثامن .

حيث كانت المؤشرات الصادرة عن الأمم المتحدة باتجاه تشجيع هذا التوجه ، والتي كانت تصدر عند كل اجتماع للجامعة العربية .

فهل تستطيع الجامعة العربية ومعها تركيا من تنفيذ الخطوة التالية ، وتتجاوز الفيتو الروسي ؟، خصوصا بعد الأنباء المتواترة عن إرسال روسيا أسطولها باتجاه البحر المتوسط .

الأيام المقبلة ستكون حبلى بالأحداث سواء على المستوى الداخلي ، أو على المستوى الدولي لننتظر ونرى ما تخبئه لنا هذه الأيام !.

ولكن يجب أن لا يغيب أمام ناظرنا اليقين بالنصر الذي وعدنا به رب العالمين ، معتمدين على إرادتنا فقط ، وقبلها على إرادة الله وحده.
الدكتور حسان الحموي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق