بالأمس تم اغتيال المعارض السوري مشعل تمو برصاص عصابات الأسد في القامشلي
وطبعا ؛ تترك عملية الاغتيال هذه؛ التي استهدفت أحد كوادر المعارضة السورية، أسئلة عديدة لدى المواطن السوري عن المرحلة التي دخلتها المعارضة اليوم ، والتي تواجه أحد أعتى مراحل الثورة في مواجهة أدوات الموت والتصفية للعقل والفكر السياسي للمعارضة.
وطبعا هذه الحادثة ليست فريدة ففي الأمس القريب، اغتيل أستاذ التاريخ بجامعة حلب الدكتور محمد العمر ومعه سارية حسون نجل أحمد حسون. ورغم أن أوامر التنفيذ قد أعطيت، في سياق سلسلة الإجراءات المخططة للقضاء على الثورة ونقلها عن سياقها السلمي ، ومن ثم تشويه صورة المشهد الثوري ، بالادعاء بوجود عصابات مسلحة ، التي تقتل وتفتك بالشعب السوري ، وهي بهذا الفعل لا تراعي مصلحة البلد العليا ، لأن أي عملية اغتيال هي خسارة بالنسبة للسوريين الشرفاء، فالانتماء السوري لا يقبل القسمة ولا يتجزأ وفق معادلات أمنية.
إن محاولة تصفية أصحاب العقل العلمي والفكر السياسي للمعارضة، تتيح بحسب تخطيطات عصابات الأسد ، الفرصة لإعادة الهيمنه مجددا على طريقة الحياة السياسية السورية.
إلى جانب ذلك، ومن الناحية الميدانية والعملية للاغتيال، جاء التنفيذ متزامنا مع إعلان تأسيس "المجلس الوطني" للمعارضة السورية بعد اجتماعها في اسطنبول والتي شملت بعض وجوه هذه المعارضة، حيث بات تصفية وجودها أمر ضروري على الخارطة السياسية السورية.
مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الإفلاس الشعبي الذي وصل إليه النظام في الداخل و الخارج، يصبح من الواضح أن قائمة اغتيالات قد وضعت، ليس بهدف الترهيب فقط، بل لتوجيه ضربات محددة ومركزة لعناصر القوة والتماسك في موقف المعارضة ، عبر استهداف الشخصيات التي هي على احتكاك مباشر مع أفراد المجتمع وتساهم في تحديد موقفهم العام من السلطة، بدءا من الطبيب حسن عيد إلى المهندس في علوم الذرة والطاقة النووية أوس عبد الكريم خليل، والعميد الركن نائل الدخيل مدير كلية الكيمياء بحمص، والدكتور محمد علي عقيل، عميد كلية هندسة العمارة في حمص، وغيرهم .
و يترافق مع استمرار الاستخبارات في استهداف الأسماء المؤثرة على الساحة الشعبية في سورية، زرع عبوات ناسفة توضع في الأماكن الشعبية لقتل المدنيين كما شاهدناه في درعا ودوما وغيرها مؤخرا، وذلك لخلق مناخ ملائم من الإرهاب. يبرر هذا العمل الجبان ، ويدخل العناصر الخارجية في معادلات يصعب تمييز متغيراتها .
وقد شهدنا في فترات سابقة كيف كان يتم تنفيذ نفس هذا السيناريو في لبنان قبل أعوام ، فالاغتيال يستهدف ليس فقط المعارضين وإنما بعض الموالين من خارج دائرة القرار ، لإبعاد التهمة عن النظام وإلصاقها بالعصابات المسلحة .
من ناحية أخرى، فإن سيناريو الاغتيالات يظهر التنوع في الأدوات التي تعتمدها الجهات الأمنية. وإن ما شهدته وتشهده سوريا من أحداث، بدءا من استهداف للرموز السياسية، مرورا بالاغتيالات ، ووصولا لاستهداف الإسلام ، جميعها يعكس حقيقة القراءة التي تبنتها الجهات الأمنية، وتقوم على قراءة "هرمية" لبنية قوة المعارضة السورية، والشعب السوري، بقصد تفكيكها من خلال ضرب رموز القوة فيها.
أيضا يظهر سيناريو الحدث بجلاء من خلال قراءة بسيطة للسياسات التي اعتمدتها "الأدمغة" المخططة للاغتيالات، كونها تقوم على حالة وجود تاريخي متوارث من نظام الأسد الأب .
وفي هذا السياق، تثبت معطيات دراسات السلوك الجمعي للشعوب وتمايزاتها أن قوة المعارضة السورية تستمد استمراريتها من مخزون حضاري يواجه الخطر بإرث آلاف السنين . وهذا سر القوة الكامنة لديه.
وهذا الاستعراض السريع لنفسية الشعب السوري، يأتي فقط لتوضيح أن بنية القوة الكامنة فيه لا تقوم على مؤثرات خارجية، وإنما على أسس وعوامل ذاتية....لا يمكن تجريدها باستهدافات فردية ، كما لا يمكن عزل أي من مكوناتها عبر اغتيال الكوادر الناشطة ، ولا يمكن تصفيتها بارتكاب المجازر بحق المدنيين هنا أو هناك.
وطبعا اختيارهم للمعارض الكردي البارز عضو المجلس الوطني السوري مشعل تمو، كان بمثابة “تصعيداً في تكتيك النظام”، كما قرأته واشنطن.
والملاحظ أن سياق هذا الاغتيال يأتي مطابقا للاغتيال الذي سبقه ، والذي استهدف سارية بن أحمد حسون ، “من خلال ((مجموعة من 4 مسلحين ملثمين)) اقتحمت منزله واغتالته بداخله وأصابت ابنه مارسيل وناشطة أخرى. كما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان. وهذه المجوعة المكلفة بالاغتيال هي من فرع المخابرات الجوية في حلب ، استبقت اغتيال مشعل التمو ، اغتيال ابن حسون الغبي ، كي يفهم أن هذه العصابات المسلحة لا تميز أهدافها .
هذه الاغتيالات وإن استطاعت عصابات الأسد في الوصول إلى أهدافها القريبة من خلال اغتيال شخصياتها، إلا أنها فشلت في إقناع الرأي العام الداخلي والخارجي ما عدا حسون أفندي ، بأنها من فعل عصابات مسلحة .
أيضا وبحمد الله أخفقت عصابات الأسد في الإجهاز على النائب السابق المعارض رياض سيف في دمشق ، ويبدو هذا الفشل من خلال تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند التي قالت: “مما لاشك فيه أنه تصعيد في تكتيك النظام”، مضيفة “لقد أعلمنا سابقاً بحصول أعمال تعذيب وضرب وغيرها، ولكن ليس في وضح النهار وفي الشارع، وهو يحصل بهدف واضح هو الترهيب”. وهذا ما أكدته المتحدثة باسم المجلس الوطني السوري المعارض بسمة قضماني أن نظام بشار الأسد “انتقل إلى الانتقام” من زعماء المعارضة.
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق