عند كل زيارة لموسكو من قبل أطياف المعارضة تجد أنهم يعودن بخفي حنين، نظرا لما يواجهونه من تعنت روسي، وإصرار على التمسك بنظام الطاغية على سدة الحكم في سورية؛ وعدم رغبتهم في مناقشة أي مرحلة انتقالية ، وهذا الأمر أكده كل من ذهب مؤخرا إلى موسكو، ربما لأن الروس مازالوا يعتقدون أن الأسد في ميله للحل الأمني وابتعاده عن الحل السياسي ، مازالت لديه القدرة على إعادة زمام المبادرة ولملمة أطراف السلطة في سورية .
مؤخرا هددت كلينتون باللجوء لقرار بمجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع، وقبلها هددت فرنسا على لسان وزير خارجيتها أيضاً بالفصل السابع، لكن نبيل العربي: له رأي آخر فقد ألمح مؤخرا أن الجامعة العربية لم تصل إلى حد المطالبة بقرار تحت بند الفصل السابع، ويبدو أنه يريد أن يحتفظ بقراره الأبيض ليومه الأسود وهو مازال يعتقد أن اليوم الأسود لم يأت بعد من وجهة نظر الجامعة العربية.
وللوهلة الأولى ربما يتصور البعض أن هناك دولا ترغب باستصدار قرار تحت البند السابع ولكن الظروف والعوامل لم تنضج بعد ، وهذا التصور تنقصه الواقعية السياسية ، فالغرب قبل موسكو والصين لا ترغب بهذا القرار ، لأن أي قرار تحت البند السابع ربما يسمح لبعض أو كل الدول باتخاذ إجراء ضد الطاغية بشار وكتائبة ، لأن هدف الفصل السابع هو إعادة السلم والأمن الدوليين .
والأمر متروك لمجلس الأمن لتحديد وجود أي تهديد للسلم، أو خرق للسلم، أو أي عمل عدائي بين الدول، وبناءً عليه لاتخاذ أي إجراء عسكري أو غير عسكري، لإعادة السلم والأمن الدوليين.
فمفهوم الفصل السابع هو حقيقيةً مظلة واسعة تعطي الكثير من المساحة للتفسير ولا تحد من قدرة الأعضاء، بل على العكس تستعمل ألفاظاً عامة لإعطاء مرونة شبه مطلقة للأعضاء باتخاذ قراراتهم.
إذن فالمشكلة ليست نصية أو حتى قانونية، وإنما هي غياب النية الحقيقية من قبل الجميع لمساعدة الشعب السوري.
و القرار الأخير الذي صدر عن مجلس الأمن لم يرتقي حتى لمطالبة بشار بالتنحي, أو حتى وقف المجازر، ولم يتخلى عن عبارة "جميع الأطراف" تذرعا بالفيتو الروسي؟
على الرغم من أن "المسؤولين الروس يبدون اليوم أكثر واقعية وصراحة في حديثهم عن مصير الرئيس السوري بشار الأسد عندما يناقشون هذه المسألة المهمة مع المسؤولين الأميركيين والفرنسيين، فالقيادة الروسية تقبل بصورة غير معلنة مبدأ تنحي الأسد عن السلطة وهي مستعدة للانخراط مع الدول البارزة المعنية بالملف السوري في عملية سياسية تشمل رحيل الرئيس السوري لأنها مقتنعة بأنه لم يعد قادراً فعلاً على ممارسة مسؤوليات الحكم بعد كل ما فعله وكل ما حدث في سوريا وتدرك أهمية رفض الكثير من السوريين والغالبية العظمى من دول العالم لبقائه".
والرفض الروسي العلني عن التخلي عن الأسد في هذه المرحلة، ليس إلا واجهة ، تخفي الموقف الحقيقي للمسؤولين الروس، الذي يظهرونه في اتصالاتهم السرية مع الجهات الغربية المعنية ، وأنهم مستعدون لاستخدام نفوذهم لإقناع الأسد بالرحيل عندما تكتمل عناصر الحل السلمي للأزمة السورية".
لأن الموقف الروسي الحقيقي من مصير الأسد مبني على عدة عناصر:
أولاً – "رفض الدفاع عن الأسد في محادثاتهم مع الغربيين ومع المعارضة لأنهم يدركون أن بشار ارتكب أخطاء فادحة لا يمكن إصلاحها، وأفرط في استخدام القوة المسلحة ضد المحتجين وأضاع كل الفرص المتاحة أمامه للتوصل إلى تفاهمات داخلية ، ولم يستجيب للدعوات التي تطالب بإجراء الإصلاحات الضرورية ، ولم يأخذ بنصائح عدة أسدتها إليه موسكو".
ثانياً – "الروس قلقون جدياً من التدهور الخطير للأوضاع العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في سوريا ومنزعجون من فشل الأسد في السيطرة على البلد ، وهم يدركون إن إنقاذ الدولة السورية يتطلب التفاوض والتفاهم مع الدول البارزة حول مصير النظام و ضرورة تغيير تركيبته، ويرفضون تحمل مسؤولية سقوط البلد في الفوضى لأنهم يدركون أن ذلك سوف ينعكس سلباً على مصالحهم الإستراتيجية وعلى دورهم الإقليمي والعالمي".
ثالثاً – "هم يريدون حلاً سلمياً للأزمة لكنهم يدركون أنهم ليسوا قادرين على إنجازه وحدهم لذلك يمتنعون عن طرح مشروع تسوية ويرغبون في التوصل إلى تفاهمات مع الدول المؤثرة وأبرزها أميركا وفرنسا وبريطانيا وتركيا وإيران والسعودية تؤدي في النهاية إلى عقد صفقة متكاملة حول سوريا مقبولة لدى جميع الأطراف".
رابعاً – هم يدعمون بقوة مهمة كوفي أنان ويعتقدون أنها تشكل الإطار الأفضل لإنجاز الحل السلمي للأزمة.
و في انتظار إنجاز الصفقة المنشودة، فإن الروس يوفرون الحماية لنظام الأسد، و يوجهون في الوقت ذاته الانتقادات له ، ويتفاوضون سراً مع خصومه ، ويضغطون عليه لتطبيق كل بنود خطة أنان .
لأنهم يدركون أن فشل الحل السلمي سيقود إلى حرب أهلية مدمرة لن يخرج النظام منها منتصراً أبدا".
لكن ريثما يتخلى آخر المدافعين عن الطاغية وعصابته ، وجب على السوريين قلع مخالب هذا النظام المتوحش ، بنفس الشدة والحزم التي تطالب موسكو الأسد في التعامل مع معارضيه ( العصابات الإرهابية حسب زعمهم ) كي نستطيع في المستقبل التعامل معه ، واستيعابهم في الحظيرة السورية .
لأن موسكو لم تدرك بعد أن مصلحتها تتلخص في الحفاظ على علاقات الشراكة الإستراتيجية مع أميركا والاتحاد الأوروبي وعلى الروابط الجيدة مع الدول العربية والإقليمية ، ولم تدرك بعد أن لديها مسؤوليات دولية ضمن إطار مجلس الأمن وخارجه، فهي تريد الاضطلاع بدور ما في بناء سوريا الجديدة لكن وفق مبادئها هي وهذا غير مقبول.
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق