الثورة السورية والحرب الدينية الخفية

بعد أن نضجت الثورة السورية وتحولت إلى الجانب العملي واقتربت من معادلة الكفة، مع كتائب الأسد، نتيجة الانشقاقات الكبيرة في صفوف الجيش السوري وتنامي قوة الجيش السوري الحر،  قفزت إلى الواجهة قوى ما يعرف بالتطرف الشيعي الصفوي ؛ في مبادرة منها للحفاظ على توازن القوى والنفوذ في المنطقة ، وهذا الدعم وان كان خفيا منذ بداية الثورة إلا أنه اليوم أصبح أوضح من خلال التصريحات العلنية المؤيدة للطاغية والتي وردت على لسان أعلى مرجع ديني في إيران ،

 يسانده في ذلك بعض المعممين الذي أعلنوا الجهاد المقدس إلى جانب السلطة الغاشمة في سورية ، وفي ظل التقاعس الغربي عن مناصرة الشعب ؛ وغياب المصلحة المباشرة للكثير في فض هذا النزاع بطريقة تضمن حقوق الجميع ، فإن الحرب انتقلت اليوم إلى ما يسمى الحرب الدينية الخفية على الشعب السوري بعد إضفاء الصبغة السنية عليه ، على الرغم من أن الكثير من الذين انخرطوا في الثورة هم من العلمانيين ، وأن الناشطين الفاعلين في الساحة السياسية المعارضة هم من بقايا الحزب الشيوعي السوري  ( كمال اللبواني – ميشيل كيلوا – برهان غليون – عارف دليلة – مأمون البني – وغيرهم كثير من صفوف أو مما يسمى سابقا إعلان دمشق)، لكن الطغمة الحاكمة استطاعت إقناع حلفائها أن المد السلفي هو القادم بحكم التركيبة السكانية ، وبالتالي فإن أية انتخابات نزيهة سوف تنتج بطبيعة الحال حكم سني على غرار جميع دول الربيع العربي .
 بالأمس قرأت مقال في القدس العربي نقلا عن صحيفة صهيونية ( يديعوت احرنوت ) يصف (الصراع في سوريا) "بأنه صراع سني شيعي ضخم يتم التعبير عنه على الأرض السورية"، وهو صراع عمره نحو من 1300 سنة كان نائما في مئات سني الدولة العثمانية السنية".
وهذا الكلام تنقصه الدقة والواقعية ، إذ أن أكثر ما تعانيه الثورة السورية اليوم هو تخاذل التيار السني الصاعد إلى السلطة في اغلب دول الربيع العربي أو دول الخليج العربي عن نصرة إخوانهم السوريين الذين يُسامون سوء العذاب على يد عصابات الغدر الأسدية، في حين الدعم المادي والعسكري والبشري ينهال على هذا الطاغية من كل حدب وصوب سواء من الدول الصفوية الشيعية أو من الدول الاشتراكية الموالية لحكم الأسد.
 وتعبير الثورة اليتيمة الذي أطلقها البعض اليوم على الثورة السورية هو الأصح في هذا التوقيت ، لكن تمنّي الدولة الصهيونية بأن تتحول الثورة السورية إلى صراع مذهبي بين السنة والشيعة واستجابة الجانب الشيعي لهذا المطلب هو المحفز لهذه النظرية ، أيضا كون هذه النظرية تصب مباشرة في مصلحة الكيان الصهيوني الغاصب ، لذلك نجد أن الكاتب انهي مقاله بقوله :
"ليس أمامنا صراع سوري داخلي بل فوضى دينية عامة في الشرق الأوسط ما تزال كلها أمامنا ولا تتعلق بإسرائيل ألبته، وهذا جيد". .
"و أن الصراع السوري أصبح منذ زمن دوليا وإقليميا لأنه انفجر هناك الصراع الإسلامي الداخلي في حين أصبح الشرق الأوسط أكثر تدينا ولهذا زادت أهمية الشقاق السني الشيعي".
إن التأييد الأعمى للدولة الصفوية وحليفها حزب الله و معهم  المالكي عميل إيران في العراق للأسد؛ هو الذي أضفى الصبغة المذهبية على الحرب المجنونة التي يشنها الطاغية على الشعب السوري وأعطاها صفة التوتر السني الشيعي.
لذلك تجد الرفض القاطع للمبادرات التي تحاول حل الأزمة السورية من خلال فرض حلول تتعلق بتفويض الأسد لصلاحياته لنائب الرئيس ، أو الوصول إلى انتخابات حقيقية في سورية ، وهذا الرفض ليس من قبل السلطات السورية فحسب بل من الداعمين الصفويين لهذا الطاغية .
 وهذا ما عبر عنه نعيم قاسم من حزب الله بأن "فكرة نقل صلاحيات الرئيس الأسد إلى نائبه لا تأخذ بعين الاعتبار طبيعة النائب أو مكانة النائب أو طائفة النائب، بقدر أنها تأخذ بعين الاعتبار الرغبة في كسر صورة الرئيس تمهيداً لخلخلة التماسك الموجود في تركيبة النظام ليتمّ النفاذ من خلال هذا المشروع إلى خطوات أخرى تؤدي إلى تغيرات جذرية في تركيبة النظام."
وهذا التعبير صحيح ويعبر عن وجهة النظر المعارضة لتحرر الشعب السوري ونيل حقوقه على حساب زوال الطغمة الحاكمة الموالية لما يسمى الهلال الصفوي الشيعي.
إن الحرب الحقيقية التي تشنها دول الهلال الصفوي على الشعب السوري هي حرب دينية خفية تدعمها إسرائيل والغرب ، لأنها تحافظ على الصراع خارج الدائرة الصهيونية، وتضعف من قوة خصوم الكيان الغاصب الحقيقية ، وبالتالي من مصلحة الغرب وإسرائيل تأجيج الحرب الدينية المذهبية على حساب أي مسمى آخر لهذه الثورة المجيدة ، ولكن الواقع يقول أن الشعب السوري على مد العصور لم ولن يكون أداة أو وقود لأي حرب دينية ، وأن على الذين ينفخون في هذه القربة المقطوعة ، أن يبحثوا على مسلة أخرى ليرتقوا قربتهم ، ولكن بعيدا عن هذه الديار المقدسة ، وهذا الشعب النبيل .  
الدكتور حسان الحموي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق