يختلف المحللين السياسيين في تصنيف التموضع العربي والتركي من جهة وبين التموضع الغربي والروسي من جهة أخرى - مع أو ضد الثورة السورية - في نواحي العمل السياسي والعسكري.
فالتصنيف الأنسب للحالة العربية تعتمد على تركيبة الأنظمة الإيديولوجية والسياسية :
فمثلا الدول التي تساند بشار من منطلق إيديولوجي هي العراق ولبنان ( باعتبار أن سياستها مختطفة من قبل شريحة معينة ذات انتماء طائفي معين ) ، أما الجزائر والسودان ، فهي تصطف مع النظام بسبب خوفها من الامتداد الثوري ، ونظرا لتشابه الطابع الاستبدادي لحكوماتها مع الفارق في الرؤية لكل بلد ، في حين يتمايز عنها الأردن إلى حد ما؛ لأنه يهادن النظام سياسيا بسبب التأثير المباشر على المصالح الاقتصادية والتبعات السياسية عليه باعتباره دولة جوار .
أما الدول المقابلة فيمكن تمييز موقفان متعارضان يلتقيان بالهدف ويتمايزان بالرؤية ، فهناك تونس وليبيا المتحررة قريبا من الطغيان والتي أصبح موقفها من القضايا الخارجية لا يخضع لاعتبارات غير وطنية ، وبالتالي أصبحت تستطيع الاصطفاف دون وازع مع أي طرف طالما أن جمهورها يساندها في هذا التوجه، أما الموقف الثاني فهو متمثل بدول مجلس التعاون والمغرب، والتي ينطلق موقفها من اعتبارات أخلاقية وسياسية وإيديولوجية في الوقت ذاته.
أما الموقف المصري بعد الثورة ، فهو ما زال مسيطر عليه من أزلام النظام السابق والمتمثل في المجلس العسكري ، والغريب في الموقفين المصري والعراقي ، أنه بالرغم من خلافهما الظاهري والذي كان واضحا في الفترة السابقة ، بدا أكثر حميمية وإصطفافا مع بشار في هذه الفترة ؛ وإن بدا أكثر وضوحا عند العراق.
طبعا لن أتوقف على تحليل الموقف العربي لأنه قد أشبع مناقشة في الفترة الماضية ، ولأن تأثيره لا يرتقي للدرجة التي يمكن معها التعويل عليه في تغيير موازين العمل السياسي ، فهو يتكئ على قوى أخرى تحاول التماهي معه في الأهداف، ولكنه يلعب اليوم دور معطل أو مؤجل لتنفيذ الاستراتيجيات الكبرى المرسومة باتجاه حلحلة القضية السورية، وذلك بفعل التناحر السياسي وتضارب الرؤى والمرجعيات السياسية.
من جهة أخرى نرى أن أكثر الدول التي تحاول قدر الإمكان التماهي مع الأهداف والرؤى العربية هي تركيا بالدرجة الأولى بالرغم من أهمية الوضع السوري لجميع دول المنطقة.
فتركيا والتي بنت استراتيجياتها الاقتصادية والسياسية على استيعاب البيئة العربية ترى في سورية الامتداد التاريخي والاقتصادي والسياسي ، وهي في كل مرة تحاول رفع وتيرة لهجتها بالتناسب مع لهجة الجامعة العربية ، محاولة الركوب على موجة الأحداث بغية الاستفادة من المستقبل بما يتوافق مع الرؤية الإستراتيجية التركية ، بغية الاستفادة القصوى من النتائج ؛ والتقليل قدر الإمكان من الخسائر المترتبة نتيجة الثورة.
فالدولة التركية تحاول ممارسة العمل السياسي بالتوازي مع مراعاة النبرة الثورية في العمل الدبلوماسي؛ من دون الوصول إلى تفعيل إجرائي على الأرض . بحيث تبدو متفاعلة ومتعاطفة مع الأحداث يتقبلها الرأي العام سواء على المستوى الداخلي التركي، أو على المستوى الدبلوماسي العربي والعالمي .
إن التأثير المباشر على الثورة السورية سواء من قبل النظام العربي والمتمثل بالجامعة العربية أو الدولة التركية ، يبدوا متعاطفا ظاهريا ؛ لكنه بنفس الوقت محبطا عمليا.
فبشار وعصابته يحاول الاستفادة من انقسام الرؤى للأنظمة العربية معتمد على حلفاء الجوار ( العراق)، و يبدو ذلك جليا في تصريحاته الأخيرة مع وفد رجال الدين الدروز في لبنان، عندما قال " ماذا يستطيعون فعله؟، لا يستطيعون فعل أي شيء، وكل ما يجري مؤامرة خارجية"، معربا أن "لا أحد يستطيع محاصرة سورية، فإيران معه، والعراق سيعود إلى أفضل حالاته بعد الانسحاب الأميركي، ولبنان إلى جانبه والأردن رفض العقوبات ".
فهذه الدول تشكل الرئة التي تمد هذا النظام بالأكسجين اللازم للحياة. وللأسف المعارضة حتى هذه اللحظة لم تستطع التعامل مع هذه المتغيرات بالرغم من إدراكها بأهميتها في حسم العمل الثوري في الفترة الحالية.
الأمر الآخر الذي يضر الثورة هو التعويل الزائد على الموقف التركي ، صحيح أن تركيا دولة مهمة ، ولكنها تراعي مصالحها بالدرجة الأولى ، ولا يوجد لديها نية في الدخول بنزاع مسلح مع دولة جارة ، لأنها لم تصل إلى المرحلة التي تستطيع استيعاب دول أخرى تحت مظلتها.
إن العمل السياسي الثوري يجب أن ينطلق من مرتكزات ثلاث:
أولاً: حصار بشار وعصابته من خلال تفكيك تحالفة مع دائرة مصالحه الأولى.
ثانياً: العمل السياسي من داخل منظومة بشار السياسية ، والتي تبدو متماسكة حتى هذه اللحظة.
ثالثاً: خلخلة القبضة الأمنية المفروضة على السياسيين لإتاحة المجال لهم للانشقاق عن بشار.
وقبل كل ذلك حشد كل الطاقات البشرية المعارضة في العمل الدبلوماسي والقانوني الدولي، واجتذاب الأصوات القوية المعارضة للعمل داخل المجلس الوطني، وعدم ترك المجال لأي عمل من خارج منظومة المجلس الوطني .
الركيزة الأخرى هي الاعتراف بضرورة تفعيل الجيش السوري الحر ودعمه على كافة الصعد لوجستيا و سياسيا وإعلاميا ، والمطالبة بالمنطقة العازلة ، لتأمينه بعد أن وصل عديده عشرات الآلاف ، وهو بحاجة إلى خلق البيئة المناسبة، لتعديل كفة العمل العسكري بينه وبين عصابات بشار ، و إتاحة الفرصة لأشراف الجيش العربي السوري من الانشقاق والانضمام إليه.
لذلك بادرت روسيا لطرح ورقتها في مجلس الأمن وهنا يجب النظر إلى تلك المبادرة من جانبين:
الجانب الأول : يتمثل بالتحول في الموقف المؤيد بالمطلق لبشار وعصابته ، وهذا نتاج القراءة الواقعية من قبل الاستخبارات الروسية على الأرض وإدراكها، أن هناك قوى حقيقية تتشكل يمكن أن تقلب المعادلة ، وأنه يجب استباق الأحداث ، والعمل على كبح جماح هذه القوى والمقصود هنا الجيش السوري الحر.
الجانب الثاني :أنه يجب استباق المبادرة الروسية والعمل على الاعتراف بالجيش السوري الحر ممثلا عسكريا وحيدا للمعارضة السورية في الداخل والخارج لأنه الضمانة الحقيقية لعدم الانزلاق نحو الحرب الأهلية، وتعميم انتشار السلاح بين المدنيين.
فهل تعي المعارضة المجتمعة في تونس هذه المتغيرات وتحاول قراءتها بطريقة تكاملية ، قبل صدور قرار مجلس الأمن بتحريم التعامل مع الجماعات المسلحة ومن ضمنها الجيش الحر، وبالتالي يصبح من الصعوبة بمكان الاعتراف بهذا الجيش الوطني الشريف.
في النهاية يجب عدم التعويل على أي عمل من خارج البيئة السورية لأن الذي سوف يصنع النصر هو العنصر السوري في الداخل ، وأي مبادرة خارجية سوف تكون نتيجة للتغيرات في الواقع الثوري على الأرض .
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق