عوامل النجاح الحاسمة للثورة السورية


يخطأ من يظن أن الثورة السورية هي وليدة اللحظة أو أنها امتداد لربيع الثورات العربية وحسب، إن أي متخصص وبنظرة بصيرة يدرك أن بذورها كانت في بداية الثمانينات من القرن الماضي ، وقد عانت ما عانت نتيجة عدم وجود البيئة الخصبة التي تستطيع أن تنمو وتثمر فيها.
واليوم أكثر ما يهمنا هو الحفاظ على خصوبة هذه البيئة ومدّها بالسماد اللازم كي تؤتي الثورة ثمارها .
 من خلال إلقاء نظرة سريعة على عوامل الحسم في الثورات العربية نجدها في مسارين متوازيين
المسار الأول والذي كسبه الثوار سريعا والمتمثل في العامل : الأخلاقي والاعلامي والاجتماعي .
أما المسار الثاني والذي كان له الفضل في حسم بعض الثورات وتأخر أخرى والمتمثلة في العامل: السياسي والاقتصادي والعسكري.



 ففي الجانب الأخلاقي للثورة حيث أن الفارق بدا كبيرا بين ما ينادي به الثوار وبين ما ينادي به النظام ، المواطن ينادي حرية – كرامة – عدالة – مساواة – وحدة وطنية - ...الخ، والنظام ينادي بشار – ماهر – مخلوف – أمن إسرائيل – فساد – الطائفية – المحسوبية – المصالح – البطش ...الخ ، وقد رأينا في كل الثورات وفي ساحات التحرير في مصر واليمن وسورية، كيف يهتف الثوار بالسلمية وينظفون الساحات، بينما البلطجية والشبيحة ينهالون عليهم بالضرب و يرمونهم بالرصاص الحي والاعتقال، فسقط النظام سريعا في الجانب الأخلاقي.
                
أما العامل الإعلامي فقد ظهرت الصورة واضحة جدا وجلية لكل ذي لب، ولم يبق مع الأنظمة سوى أصحاب المصالح والفاسدين وذوي العقول و القلوب المريضة الذين يقتاتون على فضلات النظام، ويستخدمهم النظام في الحفاظ على عروشه. وكان مما حسم الأمر في الجانب الإعلامي هو دخول المحطات الفضائية الغير محسوبة على الأنظمة، وسحب كتلة الجمهور المتردد لصفها ، حيث لعبت دورا في تحريكه، ولا ننسى أدوات الاتصال الحديثة ، والتي عجز النظام في التعامل معها، وخاصة الانترنت الذي خرج عن سيطرة الأنظمة، وانتقلت اللعبة الإعلامية من يد الصحافة الرسمية والإعلام الممنهج ، إلى يد الثوار يتحكمون في نشر وإرسال الأخبار إلى المحطات ذات الانتشار الواسع والمصداقية العالية.

العامل الثالث من عوامل الحسم هو العامل الاجتماعي فلم يكن بحاجة إلى كثير من العناء كي يتحول إلى وقود للثورة، خصوصا أن الأنظمة تتعامل باستخفاف مع المواطن وتستسهل الحل الأمني في كبح جماح الثورات دون أن يعوا أن الدماء هي وقود الثورات،  كلما سالت زادت شعلة الثورة.
إن الوعي الاجتماعي عند المواطن العربي وصل إلى الدرجة التي لا يستطيع النظام أن يفرض عليه سلوك أو وجهة ، وأصبح الشعور الجمعي عند المواطن يدرك أن خلاصه من الحاكم ونظامه أصبح من ضروريات بناء المجتمع السليم.

ولكن كل العوامل السابقة لم تستطع منفردة في إزالة الأنظمة، حتى دخل عليها العامل السياسي،  وهذا بدا جليا في النظامين التونسي من خلال وقوف النقابات العمالية مع الثورة، والمصري في جماعات الضغط السياسي كحركة ستة ابريل وخالد سعيد والأخوان المسلمون وأحزاب المعارضة التقليدية، وتوج كل ذلك العامل الخارجي تمثل ذلك في كشف الغطاء السياسي عن النظام من قبل الدول الكبرى.
أما النظام الليبي فكان للعامل  السياسي الدولي صفة الحسم المبكر لمسار الثورة ، ونقلها من سلميتها إلى ثورة مسلحة ، وهذا ما غاب عن النظامين اليمني والسوري، فلم نجد الضغط الدولي المثمر على هذه الأنظمة ، وبالتالي لم يشكل الجانب السياسي عامل حسم للثورة، وبدت الثورة تدور كطاحونة رحى تدهس كل من يقترب منها ، ولولا وعي الشعبين حتى هذه اللحظة والإرادة السلمية عند الثوار، لكانت البلاد قد غرقت في حرب أهلية.

طبعا كل تلك الجوانب إذا لم يتوجها عامل الحسم العسكري فإن الثورة لن تؤتي ثمارها، وهذا ما بدا جليا في التجربتين التونسية والمصرية.
 حيث وقف الجيش على الحياد ولم يدخل اللعبة لصالح النظام كما هو الحال في التجارب الأخرى والتي بدا التردد على الجيوش نظرا لتركيبتها العقائدية، والتي سُخرت بالكامل لمصلحة النظام ، فبدا الانقسام واضحا عليها ودخلت في دائرة العنف المسلح، وان كانت بنسب متفاوتة.

في حين غاب العامل الاقتصادي المباشر كليا عن اللعبة بالرغم من أهميته ودوره في حسم الثورة ، ولكن لضعف الجانب الاقتصادي وأهميته في تركيبة الأنظمة في الدول العربية، فلم يكن له ذلك التأثير الهام ، ولكن تأثيره وتبعيته ما زالت هي الأقوى على الشعوب ، فالعامل الاقتصادي لعب منذ البداية دورا قياديا غير مباشر في إشعال الثورات ، وقد بدت واضحة في المجتمعات الديمقراطية مثل اليونان والبرتغال واسبانيا، لغياب الاستبداد السياسي، أما في الدول العربية فتم التحايل عليه بالفساد والاستبداد الذي عم كل جنبات الحياة الاقتصادية فيها.

 من خلال هذه النظرة السريعة على عوامل حسم الثورات  العربية نجد أن المسار الثاني  هو الأكثر فاعلية في حسمها .
وفي التجربة السورية منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي اشتعلت الثورة وتكبد الثوار أثمان باهظة، ولكن في غياب عوامل الحسم السياسي والعسكري والاقتصادي تحولت الدولة إلى نظام أمني قمعي مستبد، وتحول الاقتصاد برمته إلى اقتصاد أسري فاشل، وتحمل الشعب تبعات الثورة ، حتى أتت شرارة الثورات العربية لتوقد وميض الأمل في الشعب من جديد ، وتشعل فتيل الثورة ، ولكن مازال الثوار يعانون من ضعف عوامل الحسم على المستوى الاقتصادي والعسكري والسياسي،  فضعف الاقتصاد لم يبلغ بعد الحد الذي يقف معه النظام عاجزاً عن سداد فاتورة حربه على شعبه، كما أن البيئة السياسية لم توفر الدعم المطلوب لنجاح الثورة ، والجيش العقائدي المسخر بالكامل لخدمة النظام لم يتحرر بعد من تركيبته تلك.
إن التركيز على عوامل معينة دون غيرها لحسم الثورة سوف يطيل مدة الثورة ويرفع ثمنها ويضعف من نتائجها.
وهذا ليس تشكيكا في حتمية انتصار الثورة ، ولكن يجب أن لا يغيب عن الثوار معرفة العوامل الحاسمة في نجاح الثورة ، والتركيز عليها في العمل الثوري.
وبنظرة سريعة إلى عوامل الحسم نجد أن الثورة السورية نجحت في كسب المسار الأول سريعا والمتمثل في الجانب الأخلاقي والاجتماعي والإعلامي بنسب عالية  ولكن لم تستطيع أن تنجح في المسار الثاني حيث أن عامل الحسم السياسي فشل لغياب المعارضة المنظمة والقوية في الداخل والخارج والإرادة الدولية في التغيير.
أيضا لم تنجح في التغلب على العامل العسكري لغياب التأثير الإعلامي والأخلاقي في صفوفه،  وذلك لتعمد النظام تغييب الصورة الحقيقية عن الجيش من خلال إبعاده عن الإعلام ، والتحكم الأمني بعناصره.
كما لم تنجح بعد في جر النظام نحو الإفلاس الاقتصادي بالرغم من تمكنها من جره نحو الإفلاس الاجتماعي والأخلاقي.

في النهاية نقول يجب علينا تعزيز عوامل الحسم التي نجح الثوار في اكتسابها ، والعمل الدءوب على عوامل الحسم الأخرى (الاقتصادية والسياسية والعسكرية)، والتركيز في إيجاد الوسائل والسبل الكفيلة في التغلب على الصعاب الموجودة، وتسخير كل الإمكانيات للوصول إلى الهدف المنشود ألا وهو إسقاط النظام.
الدكتور حسان الحموي

هناك تعليقان (2):

  1. يجب توحيد الجهود بين المعارضين ليكون لهم ثقل سياسي و هم جميعا متفقين على اسقاط الظام و ليتركو الجدال للتركيز على ادانة دولية فاين الحكمة الدوليةمن الجرأم

    ردحذف
  2. ارادة الشعوب هي دائما المنتصرة باذن الله تعالى
    اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر

    ردحذف