الغباء الأسدي والذكاء الميكافيلي

في الحقيقة بحثت كثيرا عن مبرر لتصرفات العائلة الأسدية مع الشعب السوري ، فلم أجد تبريرا أبلغ من الرواية التي سمعتها عن أحد المعتقلين يدعى فراس سعد ،بأن " حافظ الأسد كان قبل أن يهجع إلى فراشه كل مساء يقرأ قليلاً من كتاب الأمير لميكافيلي"
و بالطبع هنا بدأت القصة عندما قرر الأسد الأب أن يستولي على السلطة بأحد الأساليب التي حدّدها ميكافيلي في كتابه سابق الذكر :
الأسلوب الأول الاستيلاء على الحكم بأسلحته و بالحظ ،
الأسلوب الثاني الاستيلاء على الحكم بأسلحة الآخرين و بالحظ ،
الأسلوب الثالث بالخداع والوغدنة ،

و بعد أن اعتمد الأسد الأب الأساليب السابقة "بنى دولته القوية العنيفة التي عمادها المخابرات و العسكرة ،  ومن ثم حطّم كل ما هو ليبرالي؛ و ألغى كل ما هو مدني من مجتمعها , كما فعل معلموه من قبله حكام الاتحاد السوفيتي".
وبعد ذلك "قطع الأسد جذور سورية مع العالم المعاصر ، و مع الحداثة كما قطعها أيضا مع تاريخ سورية كحركة و فاعلية مادية و روحية"
 وحينما ورث بشار الابن السلطة ، أمل البعض أن لا يكون هو الآخر تلميذاً لميكافيلي؛ و رجوا أن يكون قد تتلمذ على يد "جمهورية" بودان ، لكن يبدو أن الابن تربى على قراءة كتاب الأسد الأب عينه .
 فلقد استمرت النزعة الأمنية و النزعة العسكرية تقودان سورية. "بغية بقاء بشار مخشي الجانب مع محاولته أن يكون محبوباً .
لكن الإرث الذي صنعه الأسد الأب بقي يكبل عنق بشار ، فبالرغم من محاولة بشار الظهور بمظهر الحليم و النزيه و الأخلاقي. لم يستطع الاستمرار في ذلك  لأن واجباته في الحفاظ على الكرسي لا تسمح له بامتلاك أي من هذه الفضائل.
وتحول الدين عنده إلى "أداة رئاسية" ، يسيطر بها على الشعب و يوحده في سياق الولاء المطلق.
لقد أدرك بشار أنه لكي يستطيع القضاء على هذه الثورة يجب أن يقنع الداخل والخارج بحاجتهم إلى وجود حكمه من أجل رفاه الشعب من جهة ، ولاستقرار مصالح الغرب والكيان الصهيوني من جهة أخرى ، محاولا السيطرة الكاملة على القدر ؛ من خلال اغتياله للفضيلة ، و سعيه الدؤوب بأن يكون هو الأسد و الثعلب و القنطور في ذات الوقت (الأسد قوة - والثعلب مكرا - والقنطور مقدرة على استخدام قوة الحيوانات و عقل البشر ).
لقد أدرك أيضا أن التعامل مع الوقائع على الأرض . يكون من خلال تكذيبها وصنع تجارب جديدة حاضرة بديلة للرأي العام ، مع استخدم الأمثلة التاريخية للحـُجـّة الخطابية فقط.
وإدراكه بأن "السلام" يقوم على الحرب ، فقوة بقاءه مرتبطة بقوة الجيش و سلطته ، وبالتالي يجب الاحتفاظ بالاحتكار المشروع للعنف ، لضمان الأمن الداخلي والحيلولة دون الحرب الخارجية .
إن الذكاء الميكافيلي الذي يستخدمه بشار اقترن مع غباء منقطع النظير ، كونه تعامل مع المبادئ الميكافيلية وكأنها آيات قرآنية ، تصلح لكل زمان ومكان . واستعاض عن فشل تلك المبادئ بزيادة جرعة العنف . و هذا ما لم يتقبله الغرب حتى هذه اللحظة ، وإن كان يحاول جاهدا الحصول على الموافقة على زيادة هذه الجرعة بالتدريج ، ظنا منه أنها ستوصله لبر الأمان في النهاية .
لكن الشعب السوري أيقن أن هذا الإرث من العنف و العدوانية يستحيل التخلص منه إلا بالعنف و القطع النهائي القسري.
و ربما لو أن يداً امتدت إلى وسادة بشار لتأخذ كتاب الأمير الذي ورثه عن أبيه؛ و وضعت بدلاً عنه كتاب " الجمهورية "لبودان" ؛ أو " العقد الاجتماعي" لروسو، لكان اختلف سير الأحداث؛ و مصير الأشخاص اختلافاً جذرياً .
 فعسى اليوم أن تستطيع يد الثوار، الوصول إلى وسادة بشار و ترمي بكتاب الأمير وبشار وأزلامه  بعيدا ، و تضع كتاباً آخر, ينقذ البلاد و العباد من تركة الأسد الأب الباهظة؛ و التي تقارب نتائجها الجحيم.
الدكتور حسان الحموي
 

هناك تعليق واحد: