الآن أصبحت مندساً

منذ اندلاع الثورات العربية وأنا أتفاعل معها واسهر الليالي وأنا أتابع ما يجري في تونس وبعدها في مصر ومن ثم في اليمن وليبيا ، وأقول في نفسي هل يمكن أن تندلع الثورة في بلدي .
ولأني خبير في سياسة القمع الحديدية التي يمارسها نظام الأسد فإنني لا أخفيكم أنني كنت استبعد قيام ثورة مكتملة العناصر ، لأنني ربما ألم بالعناصر الداخلية التي يمتلكها النظام في سبيل قمع أي انتفاضة أو ثورة أو مظاهرة ، وألم بالعناصر الخارجية التي تحيط بنظام الأسد والدعم اللامحدود والغير مرئي للكثيرين والتي ظهرت على العلن خلال الخمسة اشهر الماضية من عمر الثورة.
ولكن التقدير الإلهي وهمة الثوار وغباء النظام كلها كانت عوامل ايجابية في إشعال فتيل الثورة .
ومع استمرار سيلان دماء الأحرار في الشارع السوري تصاعدت الثورة وانهمرت أصوات المندسين تتعالي في أرجاء بلادي.
أردت أن أشارك في المظاهرات لم تسمح لي ظروفي ، حاولت أن أكون مندسا بكتاباتي ولكني لم اشعر بشعور المندسين ولم استوعب لماذا الثوار رغم كل هذا القمع يستمرون في التظاهر ، هل في التظاهر سر معين يجعلك مندسا بكل معنا الكلمة ، ويجعلك لا تخاف الموت ولا السجن ، ولا المخاطر .
حضرت مؤتمرات المعارضة ، شاركت بالنقاش ، عبرت عن رأيي بصوت عالي ، لكن لم أشعر أنني مندسا بعد ، كنت في كل ليلة أعود متسمرا على التلفاز أتابع الأخبار وأشاهد المظاهرات وأشاهد الجرحى والقتلي والتعذيب ، وأتابع ردود الأفعال ، أشحذ قلمي وأكتب عباراتي علي أجد ضالتي وأصبح مندسا لكن لا فائدة من كل هذا .
اليوم قررت أن أصبح مندسا وخرجت في المظاهرة وبدأت اصرخ وأصرخ . الجموع تتفاعل والقلوب تتوحد ، وما يجمعنا اليوم لن يفرقنا بعد اليوم ، أصبحت أحب كل السوريين ، أصبحت افتخر أنني سوري ، خرجت من ثوب الذل والقهر ، ولبست ثوب العز والفخار، لم أخف رغم وجود الكثير من المدسوسين بيننا ، لم أخشى من أي مخاطر ولم أفكر فيها ، ذاب جسدي في روحي ، تفتح قلبي كوردة جورية دمشقية ، تنفث عبيرها في كل مكان ، أسقطت النظام . نعم أسقطت النظام ، أدركت أن إسقاط النظام يكون في داخلي أولا ، وأن هذا شرط ضروري لكي أصبح مندسا .
الآن أصبحت مندسا حقيقة .
الآن أنا مندس
          
الدكتور حسان الحموي

هناك تعليقان (2):

  1. كاني من كتب المقال...مع فراق انني لم اشارك لتواجدي بالخارج

    ردحذف
  2. نصركم الله قلوبنا معكم ودعاؤنا لا يتوقف لكم واعلموا أنكم أنتم الأحرار حقا وليس نحن .. امضوا في ثورتكم فأنتم أملنا بعد الله .. أنتم من سيقود العالم الإسلامي لمرحلته القادمة .. وفقكم الله وسدد خطاكم وتغمد موتاكم برحماته وأسكنهم فسيح الجنان.

    ردحذف